طريق واشنطن الاجباري في اليمن

تقييم حالة | 1 مارس 2022 00:00
 طريق واشنطن الاجباري في اليمن

ENGLISH 

PDF

 

تمهيد

      اعتمد مجلس الأمن الإثنين 28 فبراير/ شباط القرار رقم 2624 الذي يوصف جماعة الحوثيين بـ(الجماعة الإرهابية) بناء على مقترح الإمارات بموافقة كل الدول الخمس دائمة العضوية، لكن القرار الذي حصل على اجماع، جاء بعد مغازلة أبوظبي لبكين وموسكو من خلال الامتناع عن التصويت على قرار يدين هجوم روسيا على أوكرانيا.

 هذا التصرف من دولة حليفة لواشنطن، لم يأت من فراغ، بل جاء بعد شعور خليجي بفراغ تركته الولايات المتحدة بانسحابها من المنطقة، إضافة إلى مؤشرات بأن رفع الحوثيين، الذين قصفوا الرياض وابوظبي، من قوائم الإرهاب سيؤثر على أمن الخليج، كما ان العودة للإتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي سيجعل طهران تتفرغ في دعم ميلشياتها والتمدد أكثر في المنطقة. 

هذه الدراسة ستستعرض الطريق الإجباري للولايات المتحدة الأمريكية في اليمن بالذات فيما يتعلق بضرورة إعادة تصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، إضافة إلى تداعيات الحرب الأوكرانية – الروسية على اليمن ، من خلال خمسة عناوين هي:

1-    استثمار الحوثيين في الخلافات وقصف حلفاء واشنطن

2-    تخبط الإدارة الأمريكية وعدم فِهم الحقائق على الأرض

3-    حاجة الولايات المتحدة للرد على الحوثيين

4-    الرد الأمريكي على سلوك الحوثيين

5-    الهجوم الروسي على أوكرانيا وتداعياته على اليمن

 

مقدمة

في مطلع العام الماضي (2021) بدأت إدارة البيت الأبيض الجديدة سياسة دبلوماسية مختلفة في اليمن: أوقفت الدعم العسكري للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، وعيّنت مبعوثاً خاصاً إلى اليمن[1]. وألغت قراراً لإدارة سلفه دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. فَهم الحوثيون وإيران سلوك الولايات المتحدة أنه انسحاب من المنطقة، وأن حلفائها في شبه الجزيرة العربية أصبحوا في وضع أضعف من السابق.

وكانت تلك القرارات الارتجالية صادمة ومؤثرة فبعضهم وصف سياسة بايدن الممتدة من "عقيدة" بارك أوباما بأنها كانت سيئة تجاه منطقة شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وأثارت خلافات مع أقرب حلفائها في المنطقة. ولا يزال منطق الارتجال قائما في نهج إدارة بايدن: تجاه عدة قضايا مثل تساهله مع إيران، والتفريط في أمن الخليج وأوربا ، وعدم فهم سياسته تجاه الديمقراطية، أو "عملية السلام" الفلسطينية الإسرائيلية ، وهذا الأمر لا يمكن أن يُعزى إلى نوع من العقيدة أو الاستراتيجية، بل تقليد متخبط غير ملائم سياسياً لمواجهة أزمات المنطقة.

في اليمن وبناءً على قرارته في 2021 حدث عكس ما توقعته إدارة بايدن حيث قابلت جماعة الحوثي قرار إخراجها من قوائم الإرهاب استئناف هجومهم على محافظة مأرب، أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من اليمنيين ، إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف من المدنيين في مناطق القِتال الرئيسية.

أحرز الحوثيون خلال المعارك التي استمرت طوال العام تقدماً بطيئاً نحو مدينة مأرب، وهو ما أدى -حسب الأمريكيين- إلى عرقلة جهود السلام، إذ شعر الحوثيون أن بإمكانهم تحقيق نصر في محافظة مأرب وإلحاق هزيمة كبيرة بالحكومة الشرعية في أهم معاقلها وبالتحالف الداعم لها. وهو ما جعلهم يرفضون مبادرات متعددة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية وحتى أنهم رفضوا ضغوطاً مارستها سلطنة عُمان التي غادر وفدها صنعاء في 11 يونيو/حزيران 2021 بعد أبوع من المباحثات دون تحقيق أي انجاز للتوصل إلى اتفاق ينهي القِتال في البلاد المستمر منذ سبع سنوات وتسبب بمقتل أكثر 377 ألف حسب تقديرات الأمم المتحدة ودفع 80% من سكان البلاد نحو المجاعة.

في يناير/كانون الثاني 2022 تمكنت القوات الحكومية وقوات العمالقة التي دربها التحالف بقيادة السعودية والإمارات من عكس هجوم الحوثيين في محافظة مأرب، كما جرى الإعلان عن استعادة ثلاث مديريات في محافظة شبوة المجاورة كان الحوثيون قد سيطروا عليها بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول2021. كما تم استعادة مديرية حريب جنوب مأرب، كما تمكنت القوات الحكومية من تقديم دفاعاتها أكثر من 30 كم من جهة جبهة "البلق الشرقي" لتحوّل أهم مكاسب الحوثيين في 2021 إلى ماضٍ مكلف وتخلق واقعا يعطي جيش الشرعية اليمنية وضعا دفاعيا أفضل.

في الجانب الإقليمي والدولي ومع تبشير المجتمع الدولي بقرب توقيع اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني ، شنت روسيا هجومًا عسكريًا واسع النطاق على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، حيث قصفت مدنًا رئيسية مثل كييف وخاركيف وأوديسا. جاء الهجوم الذي تؤيده جماعة الحوثي وحليفها الإقليمي إيران بعد شهور من حشد القوات، والإنذارات الروسية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والمفاوضات مع القادة الأمريكيين والأوروبيين، وتحذيرات الولايات المتحدة من خطط تصفه "بالغزو الروسي"، وسبقه اعتراف موسكو بجيبين انفصاليين في شرق أوكرانيا على أنهما مستقلان. وهو تحوّل مهم في السياسة العالمية التي ظلت تعتمد منذ انهيار جدار برلين 1989 على نظام القطب الواحد. وهو ما سيخلق تداعيات تجاه الأوضاع في اليمن.

 

أولاً: استثمار الحوثيين في الخلافات وقصف حلفاء واشنطن

استثمر الحوثيون في خلافات خصومهم، معتقدين أن إعلان أبوظبي انسحابها من اليمن 2019م عقب هجمات على سفن في مياهها الإقليمية بالخليج العربي ، بانه يأتي ضمن خلافات بين السعودية والإمارات.

في ذات العام الذي اعلنت فيه الإمارات الانسحاب من اليمن حدثت أحداث زادت من تكهنات وجود صراع داخل الشرعية والتحالف، حيث خرجت مدينة عدن ومحافظات جنوبية مجاورة عن سيطرة الشرعية  لصالح "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يدعو للإنفصال وتدعمه الإمارات بألوية عسكرية  يصل تعدادها حوالي من 120 ألف مقاتل. كما دعمت  أبوظبي القوات المشتركة التي يقودها طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق والتي بَقت في مواقعها في الساحل الغربي منذ اتفاق "ستوكهولم" (2018) وهو الاتفاق الذي لم يحقق منه إلا وقف إطلاق نار هش فيما بقت بقية بنوده دون تنفيذ، حتى نوفمبر/تشرين الثاني2021عندما انسحبت القوات من شرق محيط مدينة الحديدة أكثر من 100كم إلى الوراء. لتندفع بعدها قوات العمالقة -التي انسحبت معظمها إلى مديرية الخوخة والمخا- إلى محافظة شبوة لتخوض معارك ضد الحوثيين.

بعد خسارة الحوثيين الفادحة لمراكزهم في شبوة ومأرب، حملّوا أبوظبي وزر هذه الخسائر، وشنوا قصفا استهدف منشآت حيوية في أبوظبي. ففي 17 يناير/كانون الثاني، أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على أبوظبي في الإمارات أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وبعد ذلك بأسبوع شن الحوثيون هجوماً آخر بصاروخين باليستيين قالت أبوظبي إنها اعترضتها. وفي وقت لاحق شن الحوثيون هجوماً ثالثاً بصاروخ باليستي قالت أبوظبي أنها اعترضته أيضا. وفي حين أن الحوثيين المدعومين من إيران يهاجمون منذ فترة طويلة أهدافًا داخل السعودية، كانت هذه واحدة من المرات الأولى التي كثفوا فيها استهداف الإمارات، وهو ما أثار قلق الولايات المتحدة. خاصة بعد قيام الحوثيين باعتراض سفينة شحن ترفع علم الإمارات في الثاني من يناير/كانون الثاني من المياه الدولية وجرّها إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي.

إن قصف أبوظبي لم يكن مستهدفاً الإمارات وحدها بل إن الحوثيين أعلنوا شن هجومين على قاعدة الظفرة الجوية التابعة للولايات المتحدة ودول أخرى في أبوظبي. القيادة المركزية الأمريكية أكدت تلك الهجمات وقالت إنها تصدت لها، في أول مواجهة مباشرة بين الحوثيين والأمريكيين. وقاعدة الظفرة هي موطن جناح الاستطلاع الجوي 380 التابع لسلاح الجو الأمريكي ويضم 2000 فرد عسكري أمريكي. وهو ما يعني أنه أول احتكاك ومواجهة مباشرة مع الحوثيين. بعد أيام من هجوم 24 يناير/كانون الثاني قال مسؤول في البنتاغون إن بلاده بدأت تسيير طائرات فوق مناطق الحوثيين.   كما أن مطار أبوظبي الذي استهدفه الحوثيون يوم 17 يناير/كانون الثاني2022 هو مكان دائم لانتقال الأمريكيين داخل منطقة الشرق الأوسط، وهي خطورة دائمة عليهم.

 

ثانياً: تخبط الإدارة الأمريكية وعدم فِهم الحقائق على الأرض

يجادل مجموعة من الخبراء في السياسة الدولية بأن التركيز الأمريكي المفترض على الصين (إن لم يكن الهوس بها) دفع إدارة بايدن ليس فقط إلى إهمال أصدقائها في المنطقة ولكن لإلحاق أضرار جسيمة بمصالحها الخاصة. كما أن انسحاب الولايات المتحدة "من الشؤون العالمية، خاصة من منطقة الخليج" أنتج سياسة "الصراع المجمد" التي فتحت الباب أمام صدام متصاعد بين أطراف متعددة تسعى لملء الفراغ، وبالتالي إنتاج "سياسة الفوضى"[2].

أثبتت سياسة بايدن العام الماضي في اليمن فشلها الذريع، في إحداث اختراق لإنهاء الحرب في اليمن بل زادت المعارك سوءاً. إذ اعتقد صانعو السياسة، أن قرارًا أمريكيًا واضحًا لدعم جهود الأمم المتحدة لصنع السلام من شأنه أن يغري الحوثيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات. لذلك اتخذت الإدارة خطوات، لا سيما للضغط على السعودية لتقليل مشاركتها العسكرية في اليمن، من أجل الإشارة إلى سياسة أمريكية متغيّرة. وبدلاً من الرد بشكل إيجابي على النهج الأمريكي الجديد، فسّر الحوثيون موقف الولايات المتحدة على أنه علامة ضعف وقرروا استغلال الفرصة من خلال السعي لتحقيق النصر العسكري الذي حرموا منه خلال السنوات الست الأولى من الصراع. والنتيجة كانت زيادة النزاع والأزمة الإنسانية المصاحبة له. وهو أمرٌ حذرت منه دراسة نشرها أبعاد بعد أيام من إعلان بايدن إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب[3].

في الواقع فقد كان إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب دون مقابل والضغط على السعودية للخروج من الحرب، سبباً في تصاعد الحرب في البلاد وهدد آمال البلاد في الحصول على "سلام" إذ أن سيطرة الحوثيين على "مدينة مأرب" كان يعني استمرار تمددهم باتجاه المحافظات الجنوبية، وسيخلق حروباً صغيرة جديدة يصعب التخلص منها، إذ أنه وحتى لو خرج التحالف الذي تقوده السعودية فإن اليمنيين سيستمرون في قِتال الحوثيين رفضاً لهيمنتهم وإدارتهم لمناطقهم.

وبدأ الأمريكيون يشعرون بخطورة تصرفهم مع عدم تحقيق مبعوث بايدن إلى اليمن تيموثي ليندركينغ لأي تقدم لدفع اليمنيين نحو السلام. ولا يعني ذلك أن اليمنيين رفضوا إذ أن الحكومة الشرعية اليمنية وافقت على الجلوس في طاولة مفاوضات وقدم السعوديون مبادرة كما قدمتها الأمم المتحدة، لكن الحوثيين رفضوا بالمطلق مناقشة الأمر، حتى أنهم رفضوا السماح للمبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ الوصول إلى صنعاء للقاء قيادات الجماعة التي تملك القرار الرئيسي للدخول في مشاورات. كما رفض الحوثيون أول وساطة عُمانية معلنة في الحرب بعد سنوات من بقاءها في الظل، على الرغم من الامتيازات التي تقدمها مسقط لجماعة الحوثيين دون مقابل. واتصال سلطان عُمان مباشرة بزعيم جماعة الحوثي "عبدالملك الحوثي" في مسعى ضاغط على الحوثيين للقبول الدخول في مشاورات.

لكن مع هجمات الحوثيين على قاعدة الظفرة الجوية الأمريكية، وتهديد القوات الأمريكية، والهجمات على مطار أبوظبي الذي يقوم خلاله آلاف الأمريكيين بالسفر في المنطقة. اندفع عدد من المفكرين والمحللين الأمريكيين إلى التراجع[4] عن تعاطف سابق أدى إلى إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب. لكن آخرين استمروا في إساءة تفسير الحقائق الموجودة على الأرض على سبيل المثال:

  1. أكد بروس ريدل[5] أن "الحوثيين انتصروا في الحرب في اليمن، وهزموا خصومهم اليمنيين والسعوديين الذين تدخلوا في الحرب ضدهم، والولايات المتحدة التي دعمت السعوديين". كتب ذلك في مطلع فبراير/ شباط 2022 على الرغم من أن الحوثيين عانوا من هزائم قاسية في محافظتي شبوة ومأرب الاستراتيجيتين؛ إضافة إلى رؤية الحرب في اليمن من ثقب متصل بتسليح المملكة العربية السعودية على أنها حرب عودية يمنية وليست حربا بين أطراف يمنية يمنية، ودون مناقشة تلقي الحوثيين ومن خلفهم إيران للضغوط الأمريكية وإزالتهم من قوائم الإرهاب كإشارة على أن ذلك هو نتيجة ضعف الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها وليس الأمر مرتبط بإيجاد حلول للوصول إلى اتفاق سلام ينهي الحرب.  

تجاهل بروس ريدل أن الحوثيين بإيدليوجيتهم القائمة على "الحق الإلهي" في السلطة ودورهم في "المحور الإيراني"، وسيطرتهم على اليمن كمنتصرين لا يؤثر فقط على اليمن والحروب الصغيرة اللاحقة التي ستستمر بل أيضاً على مصالح الولايات المتحدة والعالم، حيث أكد الحوثيون ذلك بوضوح باستهداف الملاحة الدولية، وكان آخرها الاستيلاء على السفينة "روابي" التي ترفع علم الإمارات.

  1. كتب بول ر. بيلار[6] "الحوثيون عالقون في صراع على النظام السياسي في اليمن وليس لديهم مصلحة في الإرهاب الدولي، على الأقل طالما أنه غير مرتبط بتدخلات أجنبية في هذا الصراع". يقوم افتراضه على أن الحوثيين ليسوا وكلاء لإيران متجاهلاً تقارير دولية بما فيها -الأمم المتحدة- واعترافات إيرانية بتقديم الدعم للحوثيين. 
  2. كتب دانييل كيرتسر وميرلين بون[7] "تحتاج الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى تكثيف التواصل مع الحوثيين الذي يظهر العزم على منع استيلاء الحوثيين على اليمن من ناحية، ولكن الاستعداد لإشراك الحوثيين في عملية التسوية السياسية من ناحية أخرى" . يضيفان "يمكن للدبلوماسية المعززة أن تظهر لكلا الطرفين طريقًا للمضي قدمًا نحو الحد من العنف وتجديد الجهود لحل الصراع الأساسي". "يجب على إدارة بايدن والكونغرس منح الدبلوماسية فرصة في اليمن، وليس إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. خلال هذه الفترة من التصعيد في ساحة المعركة، يجب على الولايات المتحدة تركيز طاقتها على إشراك الحوثيين وطمأنة المملكة العربية السعودية - على الرغم من صعوبة ذلك".

الحقيقة أن جميع الأطراف والمجتمع الدولي يؤكدون ضرورة إشراك الحوثيين في تقاسم السلطة والتسوية السياسية لكن الحوثيين أنفسهم يرفضون المشاركة، ويعود ذلك لأسباب أيدلوجية، ويعتقدون أن تحقيق الانتصار كافِ لاستحواذهم على السلطة. وفشلت كل جهود دفعهم لطاولة المشاورات منذ توقيع اتفاقية ستوكهولم.

ما يلفت النظر في هذه التحليلات أنها تتشابه ورؤية المسؤولين الأمريكيين في إدارة بايدن قبل عام الذين أشاروا إلى إزالة الحوثيين والضغط على السعودية والإمارات لتحقيق السلام. وتنبع هذه الفرضيات من خلل في فِهم حقيقة الحرب اليمنية بأنها بين الحكومة الشرعية وجماععة متمردة ، وأن وجود التحالف الذي تقوده السعودية جاء عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في البلاد. وليست معركة بين الحوثيين والسعوديين. لذلك فإن دعوة هؤلاء المحللين إلى جمع الحوثيين والسعوديين لتحقيق السلام، بوصفهم أصحاب المصلحة الرئيسيين من الحرب وإقصاء جميع الأطراف اليمنية الأخرى يعتبر فِهم قاصر للحقائق على الأرض.

 

ثالثاً: حاجة الولايات المتحدة للرد على الحوثيين

 تحتاج السياسة الأمريكية الخارجية إلى معالجة، ويوفر هجوم الحوثيين على أبوظبي وتهديد دول الخليج بأبعاد تأثيره الإقليمية والدولية فرصة لاستعادة ثقة حلفاءها لتبقى شرطي الكوكب. إذ أن ما يجعل الولايات المتحدة قوة كبيرة هي تحالفاتها وعند فقدان هذه التحالفات ستتأرجح تحت ضغط الدول الأخرى الصاعدة أو العائدة.

لذلك فإن الولايات المتحدة أمام امتحان صعب في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط ستكون سياستها في اليمن معيارا لنفوذها :

‌أ)  سياستها ضد الحوثيين ستحدد مدى ضمانتها للأمن الخليجي: إن الطريقة التي تستجيب بها واشنطن في مواجهة الحوثيين ستؤثر على تصورات أبوظبي وباقي العواصم الخليجية للولايات المتحدة كضامن للأمن الخليجي.

يدعم ذلك النظرة السلبية للأنظمة الخليجية للرد الذي قدمته إدارة ترامب خلال الهجمات على منشآت النفط السعودية "خريص" و"أبقيق" في المملكة العربية السعودية التي تبناها الحوثيون ثم أشارت التحقيقات إلى أن إيران وراء الهجوم. وعزز ذلك الصورة النمطية التي أرسلها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان 2021 والتي فاقمت الصورة السلبية لواشنطن بكونها تنسحب من المنطقة في مسعى لمواجهة الروس والصينيين.

تمثل اليمن فرصة جيدة للولايات المتحدة لتطمين حلفائها القديمين، ولن يستغرق ذلك الكثير من الإجراءات في دعم حلفائها، والمساعدة في حماية الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية بما في ذلك مضيق باب المندب الحيوي الذي يؤثر على مرور التجارة العالمية.

من البديهي أن السياسات الخارجية لأي بلد، حتى لو كانت قوة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة، مدفوعة في النهاية بالمصالح الذاتية - مما يجعل إهمال الولايات المتحدة لحلفائها وشركائها أمرًا لا يمكن تفسيره. وبدلاً من القيام بما هو أفضل لأمريكا، فإن إدارة بايدن تطلق النار -حرفيًا- على أقدامها[8].

ويمكن الإشارة إلى حاجة بايدن لدول الخليج العربية مع أزمة أوكرانيا، حيث ناقشت مسألة تزويد أوروبا بالطاقة بدلاً من روسيا، في حال حدوث حرب كبيرة وقررت روسيا التلاعب بتلك الطاقة. التقى بايدن بأمير قطر في واشنطن لبحث تزويد أوربا بالغاز وإعلان البيت الأبيض أن الدوحة حليف للولايات المتحدة من خارج الناتو[9]. فيما أجرى وزير الخارجية الأمريكي مباحثات مع المسؤولين السعوديين بشأن استمرار تدفق الطاقة في حال تفاقمت الأزمة الأوكرانية.

‌ب)  مفاوضات فيينا والصورة ضعف واشنطن: يأخذ البيت الأبيض في الاعتبار الحساسيات المحيطة بالمحادثات في فيينا. إذ أن إدارة بايدن تسعى للرد على الحوثيين دون تقويض الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني. لذلك حاولت واشنطن فصل الهجمات الحوثية عن إيران، وهو أمرٌ حدث منذ اللحظة الأولى .

لكن في نفس الوقت سيكون من المحرج محاولة التعامل بشكل مثمر مع إيران في المفاوضات في ظل هذه " اللحظة الحاسمة [10]" عندما يقوم حلفاء طهران المقربون في اليمن بتصدير حربهم الداخلية ضد الحكومة المعترف بها دولياً من خلال مهاجمة ليس فقط شريكًا مهمًا للولايات المتحدة ولكن أيضًا منشأة عسكرية أمريكية رئيسية.

بينما يمكن للمسؤولين الأمريكيين مناقشة ما إذا كان الحوثيون وكلاء بالكامل لإيران، فإن ما لا جدال فيه هو أنهم يحصلون على صواريخهم وطائراتهم بدون طيار وتدريبهم ومساعدتهم في إنتاج طائرات بدون طيار وأسلحة أخرى من فيلق القدس وحزب الله الإيراني. الإيرانيون يجدون الحوثيين أداة مفيدة لممارسة ضغط حقيقي على السعودية، لا سيما أنهم يضربون أهدافًا مدنية سعودية، بما في ذلك في العاصمة الرياض والمنشآت النفطية في جميع أنحاء المملكة[11]. إن كون الحوثيين لديهم مبررات لقصف السعودية، ردا على قصف أهداف عسكرية لهم في اليمن، لا يغير حقيقة أن إيران تفعل كل ما في وسعها لتأجيج هذا الصراع، وليس الحد منه.

الهجمات على "قاعدة الظفرة" و"مطار أبوظبي" يُظهر لإدارة بايدن أن من الضروري مواجهة وردع السلوك الإيراني في المنطقة. أصرّ نظام الحكم في إيران على عدم التفاوض بشأن أنشطتهم في المنطقة. ويقولون إن انشطتهم مختلفة تماماً عن أنشطتهم النووية. لكن في الواقع فإن المسؤولين الإيرانيين يرون أن نشاطهم وأدواتهم في المنطقة أفضل بكثير من القنبلة النووية. ويفترض أن تواجه الولايات المتحدة ذلك بالمثل إذ أن الوصول إلى اتفاق للعودة للاتفاق النووي لا يعني بالمطلق السماح لسلوك إيران في المنطقة بالاستمرار، وأن التكاليف الإيرانية بشأن أنشطة أدواتهم ستواجه بالردع.

خلال توقيع الاتفاق النووي 2015، تجنبت إدارة باراك أوباما الحديث عن أنشطة إيران في المنطقة، خشية أن يرفض الإيرانيون المضي قدماً في تنفيذ "خطة العمل المشتركة". لكن الوقائع حالياً تختلف حيث أن الحوثيين وأدوات إيران في المنطقة صنعوا حزاماً من عدم الأمن والاستقرار والفوضى  في الدول المطلة على الخليج وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب وصولاً إلى العراق وسوريا. ويتبين من الهجوم الذي نفذته جماعة شيعية تابعة لإيران من العراق على أبوظبي مطلع فبراير/شباط 2022 مقدار الضغط الذي بمقدور إيران استخدامه لاستهداف المنطقة. هذه الشبكة من الوكلاء الإيرانيين في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، وربما في أماكن أخرى، هي التي تجعل استراتيجية طهران مميتة في المنطقة. إنها طريقة ذكية لإبراز القوة، تم صقلها على مدى عقود، لأنها تسمح للإيرانيين بإضعاف خصومهم وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية بأقل تكلفة ممكنة[12]. إذ أن إيران ستقاتل حتى آخر عراقي وسوري ويمني ولبناني وبحريني.

 كما أن الهجمات التي استهدفت أبوظبي جاءت كرسالة إيرانية للمجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه التحديد أن عدم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية سيجر اقتصاد دول الخليج إلى مستنقع من الركود. لذلك فإن الولايات المتحدة بحاجة لإرسال رسالة بأن سلوك إيران ووكلاءها سيقابله استراتيجية ردع أكبر. المسؤولون الأمريكية بحاجة إلى أن يوضحوا  للإيرانيين أن قواعد لعبتهم في حرب غير متكافئة، خاصة عندما تستهدف الأفراد والمصالح الأمريكية، لها ثمن باهظ.

تسببت سياسة الولايات المتحدة الضعيفة في الشرق الأوسط إلى فتح الطريق لروسيا والصين لتعزيز نفوذهما. حالة الإحباط التي لازمت حلفاء واشنطن خاصة دول الخليج العربي خلال إدارتي أوباما وترامب، وتضاعفت خلال العام الأول من إدارة بايدن أدى إلى زيادة علاقة حلفاء واشنطن التقليدين بخصومها الروس والصينيين وزادت المشاريع المشتركة بين السعودية والإمارات -على سبيل المثال- مع بكين وموسكو أكثر من أي وقت مضى. لكن بإمكان الولايات المتحدة استخدام علاقة الرياض وأبوظبي ببكين وموسكو في تمرير قرارات وسياسات ضد الحوثيين في مجلس الأمن الدولي دون اعتراض منهما، كما حصل في يوم الإثنين 28 فبراير/ شباط 2022 باعتماد مجلس الأمن القرار 2624 (2022) تحت البند السابع، الذي يقضي بتجديد نظام العقوبات على اليمن، ويصف جماعة الحوثيين -المعروفة بجماعة أنصار الله- ب"جماعة إرهابية". كما يدرج القرار الحوثيين ككيان على قائمة عقوبات اليمن في ظل حظر السلاح، بالإضافة إلى إدانة هجمات جماعة الحوثيين عبر الحدود على المدنيين والبنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومطالبة الجماعة بالوقف الفوري للأعمال العدائية.[13]

 

رابعاً: الرد الأمريكي على سلوك الحوثيين

بناءً على حجم التهديد الذي أصبح يشكله الحوثيون ورفضهم لكل الوسائل لدفعهم إلى مشاورات تنهي الصراع، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى القيام برد ضد الحوثيين. بغض النظر عن تصور الحوثيين لوجودهم ورفضهم لمبادرات السلام، يفترض بالولايات المتحدة العمل على إرسال رسالة واضحة للحوثيين بأنهم سيدفعون ثمن تلك الهجمات وأنهم معزولون عن العالم، وأن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز دفاعات أولئك الذين يهاجمونهم.

لذلك سيكون أمام واشنطن العديد من الخيارات:

  1. المساندة العسكرية والأمنية لحلفائها: في يناير/كانون الثاني 2022 اعترضت القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون من اليمن. كانت تلك المرة الأولى منذ عام 2003 التي تطلق فيها الولايات المتحدة النار من صواريخ باتريوت في قتال - ما يقرب من 20 عامًا، كما أنها أول مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة والحوثيين[14]. وجاءت بعد الانسحاب الفوضوي لإدارة بايدن من أفغانستان وإعلان انتهاء المهمة القتالية الأمريكية في العراق. وهو ما يشير إلى أن انسحاب واشنطن له تكلفة باهظة على قواتها وسمعتها وحلفائها.

وعلى الرغم من أن الأزمة الأوكرانية طغت على سياسة الولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين إلا أنها أرسلت طائرات مقاتلة أكثر تقدمًا إلى أبوظبي تتمثل في طائرات (F-22) من أجل حماية أجواء الإمارات من هجمات الحوثيين[15]، فضلاً عن إرسال المدمرة  (USS COLE) إلى مياه الخليج[16].

وقال الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، إن الإمارات استخدمت نظام ثاد في اعتراضين، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق النظام الأمريكي في قتال. وأعلنت الولايات المتحدة عن صفقة محتملة للإمارات لبيع قطع غيار لأنظمة صواريخ هوك (HAWK)و(Patriot)و(THAAD) بقيمة 65 مليون دولار.

لدى الولايات المتحدة خلية اندماج مع الإماراتيين، لكنها تركز على تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وليس جماعة الحوثي. سيتطلب إنشاء خلية ضد الحوثيين موارد أمريكية، لكن تحقيق ذلك يعيد الطمأنينة لدول الخليج وأبوظبي على وجه التحديد. يمكن أن تشمل هذه الموارد اثنين أو ثلاثة وحدات رصد طائرات دون طيار وأصول استخبارات أمريكية أخرى من شأنها أن توفر معلومات استخبارية مستمرة وعالية الجودة وتحذير من هجمات مخططة أو وشيكة على الأفراد والقواعد الأمريكية أو تلك الخاصة بالسعوديين والإماراتيين[17].

2- المساندة العسكرية والأمنية للحكومة اليمنية: يفترض أن يوفر وجود حكومة شرعية معترف بها دولياً بما في ذلك الاعتراف الأمريكي، جهوداً لدعم هذه الحكومة وجيشها كقوة وطنية قادرة على تجفيف عدم الاستقرار في البلاد. بالإضافة إلى عودة العلاقة العسكرية الجيدة مع السعودية والإمارات، فإن دعم الحكومة اليمنية يوجه رسالة لإيران وحلفائهم الحوثيين أنه لا يمكن التسامح مع جماعات بالوكالة  تمولها إيران في المنطقة العربية.

تريد إدارة بايدن إنهاء الحرب في اليمن وكان ذلك سبباً لتلقيها تشجيعاً واسعاً لشعارها الدبلوماسية أولاً لوضع نهاية للحرب التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. لكن وبغض النظر عن صوابية وعدم صوابية قرار الإدارة الأمريكية فإن تلك السياسة فشلت في اليمن. وكان السبب في ذلك الحوثيين لذلك يفترض بالإدارة دعم الحكومة اليمنية لتحقيق هزيمة للحوثيين لإن ذلك هو الدافع الذي سيجبرهم على الجلوس من أجل التفاوض.

كما أن هذا الدعم الذي سيمكن الحكومة الشرعية من تعزيز قوتها وموقفها ويجعل القوة العسكرية الأكبر في يدها حتى لو كانت هناك شراكة في حكومة ما بعد الحرب تضم الحوثيين. يؤسس لاستقرار طويل الأمد في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

طلبت الحكومة المعترف بها دولياً من الولايات المتحدة الحصول على أجهزة اتصال وتدريبات للقوات البحرية لمواجهة الحوثيين، ولم ترد بَعد على تلك الرسائل والمطالبات. كما أن ضغطاً أمريكياً على السعودية والإمارات والحكومة الشرعية لتنفيذ الشقين الأمني والعسكري لاتفاق الرياض، لتقديم الدعم -خشية وصوله إلى يد ميليشيات- مهم حتى يحقق نتيجة تجاه الحوثيين، وتبقى الأسلحة والمعدات الأمريكية في أيادي الجيش والأمن اليمنيين.

3- الرد على رغبة الحوثيين بالنصر: إن وجود مبادرات لإنهاء الصراع على أساس وقائع الأرض يدفع الحوثيين للاستمرار في البحث عن انتصار لتعزيز موقفهم التفاوضي. لذلك يفترض بواشنطن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي -بما في ذلك دول الخليج- وضع المبادرات على أساس حلّ بين طرفين رئيسيين للحرب دون النظر إلى وقائع الأرض وهذا سيدفع الحوثيين إلى وقف حملاتهم الداخلية لتوسعة مناطق سيطرتهم، وبالإضافة إلى تعزيز هزائم الحوثيين وافقادهم سلوك استمرار حملاتهم سيكونون في موقف يؤدي إلى المفاوضات مع الحكومة الشرعية لإنهاء الحرب.

لذلك فإن أهم أسس للسلام يقوم على عدم الاعتراف بنتائج الحرب، والإقرار بمشروعية الدولة ومرجعية السلاح الثقيل والمتوسط. وبدون حدوث ذلك فإن الاعتراف بنتائج الحرب سيكون مكافأة لأي جماعة/ميليشيا مسلحة تختار طريقة حمل السلاح، وأن السلام سيكون هشاً ومجرداً من عناصر قوته، ويؤثر بشكل أكبر وأشد ضراوة على الاستقرار على المدى القريب. وإذا كان الاعتراف بالواقع العسكري هو الأساس في سلام مستقبلي، فيمكن لواشنطن وحلفائها دعم الحكومة الشرعية في فرض توازنات عسكرية مهمة.

4- التحرك في مجلس الأمن: يفترض بإدارة بايدن أن تبدأ بتقديم قرار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يفرض قراراً يدين الحوثيين ويتهمهم بالإرهاب وبناء مشاريع قرار لعقوبات دولية على جماعة الحوثي. ولا يتوقع أن يقف الصينيون والروس أمام هذه القرارات نظرًا لعلاقاتهم مع الإماراتيين والسعوديين، وحاجة موسكو لحياد الخليجيين في الأزمة الأوكرانية، وهو ما تحقق بالتصويت على قرار مجلس الأمن  2624  تحت البند السابع.[18]

إن محاصرة الحوثيين من خلال قرارات مجلس الأمن، والتأكيد على المرجعيات الثلاث للحل في اليمن (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216) يبعث برسالة للحوثيين وأي طرف يسعى لاستخدام إطالة الحرب لزيادة نفوذه السياسي وتحقيق انتصار عسكري لن يكون سبباً في تغيير الموقف الدولي تجاه حقيقة الحرب في البلاد.

ومع حصول الإمارات على مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستغل الفرصة لطرح القضية على الأمم المتحدة والسعي إلى إدانة دولية واسعة النطاق للحملة التدميرية للحوثيين. وسيكون من الصعب على الحوثيين أو رعاتهم في طهران تجاهل مثل هذا البيان الدولي[19].

5- إرساء الردع في البحر الأحمر: تحتاج إدارة بايدن إلى أكثر من مجرد مواجهة الحوثيين ودعم حلفائها في الخليج من المخاطر، بل يحتاج الأمر إلى أكثر من ذلك، خاصة مع التهديد الكبير للحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر. ويدق استيلاء الحوثيين على السفينة "روابي" ناقوس الخطر. لذلك تحتاج الولايات المتحدة لأخذ دورها في حماية الملاحة الدولية التي تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. يتمثل أحد الإجراءات الحاسمة في اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لإعادة إرساء الردع في البحر الأحمر وباب المندب. في حالات سابقة لهجمات الحوثيين على الملاحة في المنطقة، ردت الولايات المتحدة بشكل مباشر على منشآت شاطئية للحوثيين قامت بهجمات. يجب أن تكون هناك رسائل واضحة للحوثيين ومن خلفهم إيران أن الولايات المتحدة ستصعد ضد كل التهديدات تجاه الملاحة الدولية.  

وتمتلك اليمن سواحل طويلة للغاية، لذلك فإن الولايات المتحدة وحلفائها السعوديين والإماراتيين على وجه التحديد بحاجة إلى مراقبة دائمة في البحر لمنع تهريب الأسلحة للحوثيين. ويبدو أن الولايات المتحدة تمضي في ذلك إذ أعلن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية ومقره في الشرق الأوسط إطلاق أسطول مشترك جديد من الطائرات بدون طيار للقيام بدوريات في مساحات شاسعة من المياه. ستكون المراقبة الدائمة أكثر فعالية لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين ويعطي احساساً بالأمان للملاحة البحرية[20].

 6- إعادة تصنيف الحوثيين: أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه يعيد النظر في قراره السابق بسحب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية[21]. وهو محق في ذلك على الرغم من تقييم التداعيات المحتملة لمثل هذه الخطوة لا يجعل منه قرارًا سهلاً. وكانت إدارة دونالد ترامب منقسمة داخليًا بشأن هذه المسألة لسنوات[22].  في الواقع، لم يصدر قرار إضافة جماعة الحوثي لقوائم الإرهاب إلا خلال أيام ترامب الأخيرة في المنصب في يناير/كانون لثاني 2021 – وكان التوقيت مصدر شكوك إدارة بايدن الجديدة.

إن وضع الحوثيين في قوائم الإرهاب ليس موضع التساؤل حتى في الولايات المتحدة – فالحوثيون استحقوا إضافتهم للقائمة بفعل جرائم وانتهاكات كبيرة. وحتى عندما ألغت إدارة بايدن التصنيف بعد حوالي شهر واحد من صدوره في فبراير/شباط 2021، أعد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن قائمة جرائم الحوثي الطويلة[23]، " بما في ذلك السيطرة على مناطق واسعة من اليمن بالقوة، والهجوم على شركاء الولايات المتحدة في الخليج، اختطاف وتعذيب مواطني الولايات المتحدة والعديد من مواطني حلفائنا، وتحويل المساعدات الإنسانية لجهود الحرب، وقمع اليمنيين بوحشية في المناطق التي يسيطرون عليها، والهجوم المميت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020 في عدن ضد حكومة الحكومة اليمنية الشرعية".

ومع نهاية العام الماضي (2021) قام الحوثيون باقتحام السفارة الأمريكية في صنعاء ومصادرة الأوراق والوثائق منها، على الرغم من أن المبنى مغلق منذ 2014م، وهو ما اعتبر انتهاكاً للسيادة الأمريكية. كما اختطف الحوثيون عشرات الموظفين السابقين في السفارة من المواطنين اليمنيين، كان آخرهم موظفين اثنين في 19 فبراير/شباط 2022م[24]. واستهدف الحوثيون أيضاً قاعدة الظفرة حيث يوجد آلاف الجنود الأمريكيين وأكدوا أن القاعدة العسكرية التي تضم قوات من دول أخرى هي هدف للجماعة. ولعل أبرز الجدل حول إعادة تصنيفهم يتمحور في الآتي:

* رغبة البيت الأبيض: قاد المسؤول الأول في البيت الأبيض في الشرق الأوسط، بريت ماكغورك[25]، حملة فرض تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. ووزع مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض مذكرة في يناير/كانون الثاني 2022، تستكشف ضرورة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية. المذكرة تؤكد تصنيف الحوثيين على أنهم منظمة إرهابية أجنبية، أو إرهابيون عالميون محددون بشكل خاص، أو مزيج من الاثنين[26]. لكن الخطة واجهت رد فعل عنيف من مسؤولين أمريكيين آخرين، بما في ذلك في اجتماع في البيت الأبيض لنواب الأمن القومي في 4 شباط/فبراير – وهو واحد من عدد من الاجتماعات المشتركة بين الوكالات حول هذه المسألة.

ويبدي المسؤولون الأمريكيون -الذين يعارضون إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب- خشيتهم أن تلحق مصاعب جمّة بالمدنيين اليمنيين. ويرون إعادة النظر في ذلك وتحديد ما إذا كانت هناك وسائل أخرى، بما في ذلك فرض عقوبات فردية محددة الأهداف على المسؤولين الحوثيين، يمكن اتخاذها دون تعطيل الواردات الحيوية من المواد الغذائية والأدوية وغيرها من الضروريات إلى اليمن[27]. كما أن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية يضع إدارة بايدن في موقف محرج بعكس القرار ثم التراجع عن ذلك. على الرغم أنه وفي حال عدم قيام الولايات المتحدة بتصنيف الحوثين فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على علاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي. تقود الإمارات الجهود لإعادة تصنيف الحوثيين في قوائم الإرهاب، وهو أمر استمرت السعودية والحكومة اليمنية بالمطالبة به مراراً.

ويأتي ذلك في ظل تمكن إدارة بايدن خلال 2021 من الدبلوماسية المكثفة من فِهم الحوثيين، وتغيّر/تحوّل تصورها لحقائق الحرب في اليمن. وهو ما دفع التحالف الذي تقوده السعودية لإعلان عملية عسكرية في البلاد مطلع 2022م[28].

* جدل الكونجرس: عقب استيلاء الحوثيين على مبنى السفارة الأمريكية، والهجوم على القوات الأمريكية في الظفرة. تقدم عدد من أعضاء الكونجرس[29] معظمهم جمهوريون[30] -وبينهم ديمقراطيون- بمشروعات قرار لإعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب، وممارسة الضغط على إدارة بايدن وتفويضها بإعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب[31].  

بالمقابل -برد فعِل أضعف- بعث عدد من أعضاء الكونجرس رسالة إلى "بلينكن" تحثه[32] على عدم إضافة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب، رغم أنهم أكدوا "الدور المزعزع للاستقرار الذي يقوم به الحوثيون في الصراع اليمني بما في ذلك عرقلة المساعدات الإنسانية، وتجنيد الأطفال، والهجمات عبر الحدود على أهداف مدنية في السعودية والإمارات، وهذا السلوك (سلوك الحوثيين) مقيت ويطيل من معاناة الشعب اليمني". لكنهم قدموا مبرراً لدعوتهم هذه "إذ أن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية لن يجبر الحوثيين على وقف هذه السلوكيات، ولكن بدلاً من ذلك يخاطر بآثار سلبية من شأنها فقط زيادة معاناة ملايين اليمنيين الذين يعيشون في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين".

* مخاوف انعكاسه على الواردات والعمل الإنساني: كما حدث في 2020 مع دراسة إدارة ترامب لتصنيف الحوثيين، كان هناك رد فعل سلبي قوي على الإدراج في القائمة داخل المجتمع الإنساني الدولي في عام 2020. وخشوا أن يشكل ذلك عقبة خطيرة أمام جهود الإغاثة المطلوبة وإلحاق الأذى بالمدنيين اليمنيين الأبرياء دون التأثير على الحوثيين الذين لا يملكون حسابات ومؤسسات تجارية خارج اليمن.

لا ينبغي لأحد أن يبتعد عن مخاوف المنظمات الإنسانية بشأن الآثار السلبية المحتملة لتصنيف جماعة الحوثي كإرهابية. ومع ذلك، في هذه المرحلة، قد يكون من الأفضل التفكير بدقة في كيفية التخفيف من تلك الآثار مع استثناءات واضحة لنظام العقوبات الأمريكية بدلاً من الامتناع عن التصنيف نفسه[33]. إذ أنه مع هذه الهجمات الجديدة واتساع نطاق العدوان الإقليمي للحوثيين واستهدفه الأمريكيين، يعتقد كثير من المسؤولين والمحللين -بعضهم كانوا طالبوا بعدم تصنيف الحوثيين عام2020- هي الوسيلة الوحيدة لحماية الجنود الأمريكيين في الخارج[34].

كما أن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية قد يؤدي إلى السلام في اليمن، حيث رفضت الجماعة كل دعوات السلام المحلية والدولية لافتقار المجتمع الدولي إلى أدوات للضغط على الحوثيين. وفي غياب خيارات أخرى قابلة للتطبيق للضغط على الحوثيين للتخلي عن حملتهم العسكرية والسعي إلى التوصل إلى نتيجة سلمية وسياسية للحرب، سيكون من الخطأ عدم النظر في إمكانية استخدام تصنيفهم كجماعة إرهابية كأداة في مجموعة أدوات أميركا. ففي حين أن هذا التصنيف سيظل يفتقر إلى تأثير ملموس وفوري على قيادة الحوثيين، إلا أنه سيرسل رسالة رمزية قوية تنزع الشرعية عن حركة الحوثيين كمشارك في المستقبل السياسي لليمن[35].

على إدارة بايدن أن لا ترتكب نفس أخطاء إدارة ترامب بتصنيف الحوثيين دون مباحثات وإقناع الموردين التجاريين إلى اليمن وكبار المستوردين اليمنيين بعمل استثناءات للتجارة معهم. يقول عدد كبير من المستوردين في الغرفة التجارية في صنعاء إن الولايات المتحدة لم تناقش معهم توريد المواد الغذائية الأساسية، في حال حدث تصنيف للحوثيين. فيما يشيرون إلى أن المؤسسات التجارية في الخارج التي يتعاملون معها بعثوا إليهم بتهديدات بتوقف التصدير إلى اليمن إذا تم إضافة الحوثيين لقوائم الإرهاب[36]. كما أن على واشنطن عمل استثناءات وإقناع المنظمات الدولية العاملة في اليمن باستمرار عملها دون أن يتأثروا بقرار التصنيف؛ أثارت الأمم المتحدة على وجهة التحديد كثير من المخاوف بشأن ذلك[37].

 

خامساً: الهجوم الروسي على أوكرانيا وتداعياته على اليمن

تجنبت معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الانحياز علنًا إلى جانب في الأزمة الروسية الأوكرانية، ولم تكن حريصة على إثارة غضب روسيا أو الغرب. ويعود ذلك إلى أن الدول العربية-الخليجية لم تعرف بعد كيفية التعامل مع عالم دون قطب واحد، فإذا خرجت روسيا منتصرة من هذه الأزمة، فمن المحتمل جدًا أن تلقي بظلالها على المنطقة لفترة أطول، وفي حال فشل في ذلك فإنه تأثيرها سيمتد لسنوات من التوتر في السياسة الدولية.  

لكن هذا الهجوم الروسي يؤثر على اليمن بشكل غير مباشر من خلال:

  • الصفقة الروسية- الإماراتية: بينما كانت روسيا تحشد قواتها حول أوكرانيا كانت الحرب في اليمن، تحظى باهتمام أكبر على مستوى العالم، بعد أن قصف الحوثيون أبوظبي. وبسرعة أعلن الحوثيون دعم عمليات فلاديمير بوتين في أوكرانيا، بعد أيام من تقديم الحوثيين تصورهم لموسكو بشأن الحرب في اليمن. وقبل إعلان روسيا بدء الهجوم، وزعت البعثة الإماراتية في الأمم المتحدة مقترح قرار في مجلس الأمن يصنف الحوثيين كجماعة إرهابية، ويوسمها بالإرهاب إضافة إلى وصف هجمات الحوثيين على الدول المجاورة "بالإرهابية"، ويوسع حظر الأسلحة ليشمل جماعة الحوثي بالكامل ككيان بعد أن حظر بيع الأسلحة يستهدف قيادات الجماعة المسلحة المدعومة من إيران.

في 25 فبراير/شباط دفعت الولايات المتحدة والقوى الغربية بقرار إلى مجلس الأمن "يأسف" للهجوم الروسي على أوكرانيا، امتنعت فيه الإمارات عن التصويت للقرار ما أدى إلى عرقلة صدوره. وكررت ذلك يوم 27 فبراير/شباط بالامتناع عن التصويت للجمعية العمومية للأمم المتحدة لمناقشة الأزمة الروسية -الأوكرانية لكن جرى اجتماع الجمعية في اليوم التالي. ويشير الدبلوماسيون الأوروبيون أن الإمارات عقدت صفقة مع روسيا بالامتناع عن التصويت مقابل تدعم مقترحها ضد الحوثيين. وهو ما تم بالفعل ويوم 28 فبراير/شباط 2022 صدر قرار مجلس الأمن 2624  بناءً على الاقتراح الذي قدمته الإمارات وصوتت موسكو وبكين لصالح إقراره إلى جانب تسع دول أخرى فيما امتنعت أربع دول عن التصويت. ويعتبر موقف موسكو بشأن اليمن في مجلس الأمن مغاير تماماً لمواقفها السابقة حيث عرقلت عدد من القرارات وأجبرت المجلس على تغيير مصطلحات وصف الحوثيين كجماعة إرهابية أو إدانة للحوثيين بشكل منفرد طوال السنوات الماضية. وامتنعت عن التصويت في 2015م، على القرار 2216  الذي يؤكد شرعية تدخل التحالف العربي في اليمن وشرعية الحكومة المعترف بها دولياً ويقودها الرئيس عبدربه منصور هادي.

ويعتبر وسم الحوثيين "بالإرهاب" [38]من قِبل مجلس الأمن سابقة لم تحدث من قَبل، وتؤثر على قادة الجماعة المسلحة وداعميهم الإيرانيين وحزب الله اللبناني. كما قد يؤثر على موقف الداعمين المحللين لها بمن فيهم رجال الأعمال الذين يمولون حربها.

اعتمد القرار الإماراتي في مجلس الأمن بشأن أوكرانيا على العلاقات الجيدة التي تربط أبوظبي بموسكو وبكين، وعلى مصالحها في كسب الموقف الروسي في المجلس لصالحها. وهو أمرٌ يشير إلى طبيعة التحولات التي حدثت خلال العقد الماضي في العلاقات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتنويعها لضمان أمنها القومي بعد التراجع الأمريكي. ويوجد أكثر من 25 ألف مواطن روسي في الإمارات، إضافة إلى أن الصين وروسيا تعتبر الإمارات مركز الصادرات التجارية إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ونمت العلاقات الروسية -الإماراتية خلال العقد الماضي لتصل إلى مستويات قياسية بتبادل تجاري وصل أكثر من 4 مليارات دولار خلال 2021، وتوافق في السياسات الدولية مجتمعة في عدد من أزمات المنطقة مثل سوريا وليبيا وعدد من الدول الأفريقية والتقارب في سياسات البلدين في آسيا الوسطى موطن الجمهوريات التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي. لذلك فإن قرار أبوظبي الذي دعم ضمناً الهجوم الروسي في أوكرانيا قابلته موسكو بدعم مماثل في اليمن، إلى جانب أن موسكو كانت ترى بالفعل في هجومها على أبوظبي تهديد للمنطقة ومواطنيها المغتربين، واعتبرته "عملا إرهابيا"، عقب الهجمة الأولى يوم 17 يناير/كانون الثاني2022م، أي قبل دخول الأزمة الروسية الأوكرانية مرحلة الاحتقان الموجه نحو الحرب.

 

  • الغذاء في اليمن: تنبعث مخاوف من أن الحرب في أوكرانيا ستؤثر على صادرات القمح الأوكراني والروسي إلى اليمن، تستورد البلاد 80% من احتياجاتها الأساسية. تستورد ما نسبته 26% من القمح من أوكرانيا، وأكثر من 20% من روسيا. وستتأثر البلاد، التي تعيش بالفعل أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذا ارتفعت أسعار القمح عالمياً. لكن في الوقت الحالي تتجنب الدول الأخرى رفع أسعار القمح خشية أن تقوم روسيا بتخفيض القيمة والحصول على زبائنهم. في الوقت ذاته فإن اليمن تملك مخزوناً لأربعة أشهر قادمة، إضافة إلى إمكانية شراء القمح من رومانيا إذ يملك ذات جودة القمح الأوكراني. كما أن اليمن ستتأثر بشكل كبير وسيرتفع القمح لمستوى قياسي في حال:

أ) توسعت روسيا باتجاه بقية دول شرق أوروبا.

ب) تضرر سلسلة التوريد والشحن الدولي بفعل تصاعد الحرب ودخول أكثر من طرف فيها- تعاني اليمن ارتفاع تأمين الشحن إليها بسبب المخاطر والتهديدات في البحر الأحمر والحرب المستمرة.

 ج) ارتفاع أسعار النفط وعدم القيام بإجراءات عالمية لخفضه.

  • التوافق حول أي صراع: إن الأزمة الروسية الأوكرانية ليست مجرد نهاية لحقبة ما بعد الحرب الباردة التي كانت تنهار على مدار العقد الماضي. كما أنه يمثل نهاية حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، والتي حددتها مكافحة الإرهاب والمعارضة العالمية للجهات المسلحة غير الحكومية.

في المرحلة الجديدة- سواء نجح بوتين أو تراجع- سيعتمد موقف روسيا -وربما الصين- تجاه الجهات المسلحة من غير الدول على ما إذا كانت تريد تحدي الولايات المتحدة في دولة أو في منطقة معنية لتحقيق أكبر ضغط على أمريكا والدول الغربية. وهو أمرٌ مؤثر بالنسبة للقضية اليمنية حيث ظلت محل توافق دولي منذ سيطرة الحوثيين عام 2014، وهو ما سيؤثر على جهود إحلال السلام. ويعلن الحوثيون وباقي "محور المقاومة" التابع لإيران أنهم ضد أمريكا والغرب، لذلك في المرحلة القادمة قد نجد روسيا تجاوزت القرار الذي صوتت عليه يوم 28 فبراير/شباط 2022 وتدعم جماعة الحوثي والجماعات الأخرى بالذات في حال حاجتها لضغوط عاجلة خلال الحرب ضد حلفاء واشنطن.

من ناحية أخرى تعزز هذه الحادثة القوة الدائمة للأيديولوجية والتظلم التاريخي، مثل إيران التي تعتبر العقوبات المفروضة عليها ظلماً، والجهود لاستعادة الإمبراطورية الفارسية مشروعاً لابد منه.

  • موقف دول الخليج: مثّل امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن عرضاً يؤكد إحباط أبوظبي والرياض وباقي دول الخليج من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى مدى عقود، سارت الإمارات والسعودية، على إيقاع أميركا، لكن قرار الامتناع عن التصويت أكد أنهما تتبعان سياسات خارجية أكثر استقلالية في الوقت الذي تعمقان فيه العلاقات مع خصوم واشنطن في موسكو وبكين[39].

وكان رد معظم دول الخليج بما في ذلك قطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان، صامتا أثناء محاولتها اتباع موقف محايد في مسعى للحفاظ على التعاون مع موسكو في القضايا الجيوسياسية وقضايا الطاقة، وتجاهلت الاتهامات الغربية بأن رفض إدانة روسيا يرقى إلى مستوى دعم الهجوم على أوكرانيا، ووصفتها بصفقة "قذرة" بين الدولتين بمقايضة الامتناع عن التصويت مقابل تصويت موسكو لصالح قرار إدانة الحوثيين.

في مكالمة هاتفية يناير/كانون الثاني2022م، رفض الملك سلمان بن عبدالعزيز، طلباً من "بايدن" ضخ المزيد من النفط إلى الأسواق[40]، الذي من شأنه أن يخفض سعر البرميل الذي وصل مع بدء الهجوم الروسي إلى 105$ في أعلى ارتفاع منذ 2014م[41]. ومن شأن ضخ المزيد من النفط أن يقلل الدخل الروسي من النفط، حيث تستفيد روسيا من 660 مليار دولار من دخل النفط والغاز في مواجهة أولية للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

ولم يكن هناك تعليق أمريكي على موقف دول الخليج والحلفاء الأخرين في الشرق الأوسط، لكن في المستقبل القريب قد تبدأ الولايات المتحدة في سياستها المعروفة "إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا" والتي عرفتها دول الخليج خلال مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وما تبعه من غزو أفغانستان (2001) والعراق (2003).

وحتى يحدث ذلك فمن المتوقع خلال الأسابيع القادمة تستمر دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل معظم العالم، بحبس أنفاسها لمعرفة السيناريو الذي سيختاره بوتين في محاولته لإخضاع أوكرانيا. وستنعكس تداعيات الحرب في أوكرانيا على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وستكون لها عواقب اجتماعية واقتصادية فورية، وستؤدي إلى تعديل أوراق اللعب الجيوسياسية العالمية بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

  • النفط والاتفاق الإيراني: مع ارتفاع أسعار النفط والغاز سيعني ذلك على الأرجح اعتماد العالم على الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز لضخ المزيد للمساعدة في الحفاظ على انخفاض الأسعار أو- في أسوأ السيناريوهات- لسد النقص الفوري إذا أوقفت روسيا الإمدادات إلى أوروبا رداً على العقوبات الاقتصادية. فإن ذلك سيعني استغلال دول الخليج أزمة أوكرانيا لصالحها وستكون ربما الرابح الوحيد[42] من هذه الأزمة؛ إلا أن ذلك يحتمل مخاطرة سياسية فعلية إذا اعتبرت موسكو ذلك انحيازاً للغرب.

ويبدو أن دول الخليج أكدت بقاءها على الاتفاق بتقليص الإنتاج، حيث شددت على رفض منظمة أوبك+ زيادة انتاج النفط وضخه في السوق لخفض الأسعار[43]. وأشارت قطر إلى عدم قدرتها على تغطية الحاجة الأوروبية من الغاز في حال حدث السيناريو الأسوأ إذ تملك عقوداً طويلة الأمد مع دول تعتمد عليها للحصول على الغاز. ومن أجل ذلك قد تلجأ الولايات المتحدة إلى النفط والغاز الإيرانيين من أجل خفض أسعار النفط[44]؛ ما يحقق مكاسب سريعة لطهران مع الحاجة العالمية، ولن يكون ذلك دون انجاز الاتفاق النووي الذي يحقق المتفاوضون في فيينا لإنجازه. وهو ما يعني حصول طهران على مال أكثر ستخصص جزء منه لدعم ميليشياتها في المنطقة وفي مقدمتهم جماعة الحوثي المسلحة.  

  • بوتين بعد الانتصار: من المرجح أن تنمو طموحات بوتين بعد تحقيق انتصار في أوكرانيا، وقد يوسع طموحاته في محاولة لاستعادة شيء من البصمة التي كانت للاتحاد السوفيتي قبل نهاية الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يملك حالياً موطئ قدم في سوريا، وقد يسعى من خلال نفوذ إيران في اليمن، ونفوذ أبوظبي -إن بقيّ موقفها قريباً من بوتين- يمكن أن يندفع بوتين لاستعادة وجوده على بوابة البحر الأحمر الإستراتيجي الذي تمتع به السوفييت خلال الحروب الباردة. وقد يسعى لتوسيع نفوذه في العراق ولبنان المجاورتان لسوريا بحثاً عن نفوذ "لإمبراطوريته"، كما أنه قد يسعى لنفوذ في ليبيا للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط في الجهة المقابلة لأوروبا وتركيا.

 

خاتمة:

يذهب العالم والمنطقة لتغيرات جيوسياسية جديدة هي الأولى منذ نشوء النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذه الأحداث تداعيات على سياسة القطب الواحد التي أدارت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية العالم بعد تفكك القطب المنافس لها الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن المنصرم، والخليج واليمن جزء من هذا العالم المتأثر، فالاتفاق النووي الأمريكي مع إيران أو انتصار روسيا على أوكرانيا أو انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، كلها تضع الخليج واليمن في مصير مجهول، مالم يتدارك صناع القرار الأمر ويسرعون بإحداث واقع عسكري جديد في اليمن يقطع على إيران استراتيجية التمدد، ويخلقون توازنا في الرعب مع الدول الطامعة، ويتعاملون مع الأحداث والحروب الدولية من منطلق المصالح السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية لا التبعية التي مثلها جلبت الميلشيات لاسقاط الدول.     

 

مراجع

[2] Why Biden’s frozen conflict policy is doomed to fail/ DANIA KOLEILAT KHATIB/29/11/2021

https://arab.news/rb5ja

[3] يمكن الاطلاع على دراسة أبعاد: تأثير استراتيجية بايدن على حرب اليمن -فبراير/شباط2021

https://abaadstudies.org/news-59872.html

The Impact of Biden's Policy on Yemen War

https://abaadstudies.org/news-59875.html

[4] US response options to growing Houthi attacks/ Kevin Donegan , Mick Mulroy, Michael K. Nagata, Bilal Y. Saab, Joseph Votel/25/1/2022

https://www.mei.edu/publications/us-response-options-growing-houthi-attacks

[5] The Houthis have won in Yemen: What next?/Bruce Riedel/February 1, 2022

[6] The Mischaracterization of the War in Yemen/ Paul R. Pillar/1/02/2022 https://nationalinterest.org/blog/paul-pillar/mischaracterization-war-yemen-200198?page=0%2C1

[7] IT’S TIME TO DOUBLE DOWN ON DIPLOMACY IN YEMEN/ DANIEL KURTZER AND MERLIN BOONE/ 2/2/2022

https://warontherocks.com/2022/02/try-diplomacy-not-escalation-in-yemen/

[8] It’s not that complicated, Mr. Biden!/ FAISAL J. ABBAS/20/1/2022/

https://arab.news/y4fc6

[9] Qatar’s New Designation as US Non-NATO Ally Serves Multiple Purposes/ IMAD K. HARB/4/2/2022/

https://arabcenterdc.org/resource/qatars-new-designation-as-us-non-nato-ally-serves-multiple-purposes/

[11] A needed warning for Yemen's rebels — and for our allies and enemies alike / DENNIS ROSS /24/1/2022

https://thehill.com/opinion/international/590996-a-needed-warning-for-yemens-rebels-and-for-our-allies-and-enemies-alike

[12] مصدر سابق " US response options to growing Houthi attacks"

[13]  الموفع الرسمي للأمم المتحدة https://news.un.org/ar/story/2022/02/1095132

[16] Analysis: As Mideast wars encroach on UAE, US gets drawn in/5/2/2022/ JON GAMBRELL

https://apnews.com/article/business-iran-dubai-united-arab-emirates-iraq-77684e102ed8c66ef8ac967d21893bcd

[17]مصدر سابق " US response options to growing Houthi attacks"

 [18]  مصدر سابق ( الموقع الرسمي للأمم المتحدة) https://news.un.org/ar/story/2022/02/1095132 

[19] A PEACE-MAKER’S CASE FOR DESIGNATING THE HOUTHIS/GERALD FEIERSTEIN/15/2/2022

https://warontherocks.com/2022/02/a-peace-makers-case-for-designating-the-houthis/

[20] US Navy plans launch of Mideast drone force alongside allies/ ISABEL DEBRE and JON GAMBRELL/21/02/2022

https://apnews.com/article/technology-business-united-arab-emirates-abu-dhabi-persian-gulf-tensions-adf1a7fac4b06283a84124ca5f29c05f

[21] Biden Says Administration Mulling Re-Designating Yemen's Houthis a Terrorist Group/ Reuters/19/2/2022

https://www.usnews.com/news/world/articles/2022-01-19/biden-says-administration-mulling-re-designating-yemens-houthis-as-terrorist-group

[22] Pompeo to designate Yemen’s Houthi rebels as terrorist group/Matthew Lee, Associated Press/11/1/2022

https://www.pbs.org/newshour/world/pompeo-to-designate-yemens-houthi-rebels-as-terrorist-group

[23] Revocation of the Terrorist Designations of Ansarallah/ ANTONY J. BLINKEN, SECRETARY OF STATE/12/2/2022

https://www.state.gov/revocation-of-the-terrorist-designations-of-ansarallah/

[24] تحدثت مصادر لمركز أبعاد في 19/2/2022م، طلبت واحدة من العائلات عدم كشف هويته، فيم كشفت وسائل إعلام عن اختطاف أحدهم بعد ذلك بأيام:

AP sources: Yemen’s Houthis seize another US Embassy staffer/ ELLEN KNICKMEYER and SAMY MAGDY/23/2/2022

https://apnews.com/article/middle-east-iran-arrests-yemen-sanaa-527acad34ee94ec1bd5aaf9ed9fc0df1

[25] U.N. Pressures Biden Against Adding Yemen’s Houthi Rebels to Terrorist Blacklist/ Robbie Gramer/16/2/2022

https://foreignpolicy.com/2022/02/16/un-biden-houthis-terrorist-blacklist/

[26] WHITE HOUSE DISCUSSES REINSTATING TRUMP’S TERROR DESIGNATION FOR YEMEN’S HOUTHIS/ Ken Klippenstein/8/02/2022

https://theintercept.com/2022/02/08/yemen-terrorist-group-houthis-uae/

[27] U.N. Pressures Biden Against Adding Yemen’s Houthi Rebels to Terrorist Blacklist/ Robbie Gramer/16/2/2022

https://foreignpolicy.com/2022/02/16/un-biden-houthis-terrorist-blacklist/

[28] يمكن الاطلاع على ورقة أبعاد "الحدود الجديدة لحرب اليمن" 22-1-2022 على الرابط:

https://abaadstudies.org/news-59892.html

The New Fronts of the Yemen War

https://abaadstudies.org/news-59893.html

[29] FIRST IN NATSEC DAILY –– BIPARTISAN EFFORT TO RELABEL HOUTHIS AS TERRORISTS/ ALEXANDER WARD and QUINT FORGEY /3/2/2022

https://www.politico.com/newsletters/national-security-daily/2022/02/03/u-s-alleges-russia-weighing-fake-video-as-pretext-for-war-00005376

[30] Republicans pile pressure on Biden to re-designate Yemen's Houthis as 'terror group'/ MEE/25/1/2022

https://www.middleeasteye.net/news/yemen-republicans-pile-pressure-biden-re-designate-houthis-terror-group

[31] SEN. CRUZ LEADS BILL TO IMPOSE SANCTIONS ON IRANIAN BACKED HOUTHIS, RE-DESIGNATE THEM AS A FOREIGN TERRORIST ORGANIZATION/24/1/2022

https://www.cruz.senate.gov/newsroom/press-releases/sen-cruz-leads-bill-to-impose-sanctions-on-iranian-backed-houthis-re-designate-them-as-a-foreign-terrorist-organization

[32] رغم تأكيد “السلوك المقيت”.. أعضاء في الكونجرس قلقون من إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب/23/2/2022

https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/68676

[33] How the Biden administration can assure regional partners in the wake of the Houthi attacks on the UAE/ William F. Wechsler/24/1/2022

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/how-the-biden-administration-can-assure-regional-partners-in-the-wake-of-the-houthi-attacks-on-the-uae/

[35] A PEACE-MAKER’S CASE FOR DESIGNATING THE HOUTHIS/GERALD FEIERSTEIN/15/2/2022
https://warontherocks.com/2022/02/a-peace-makers-case-for-designating-the-houthis/

[36] ثلاثة من كبار رجال الأعمال تحدثوا لمركز أبعاد في 10 فبراير/شباط2022 خلال جلسة مقيل في صنعاء

[37] U.N. Pressures Biden Against Adding Yemen’s Houthi Rebels to Terrorist Blacklist

https://foreignpolicy.com/2022/02/16/un-biden-houthis-terrorist-blacklist/

[38]  قرار مجلس الأمن 2624 (2022) تحت البند السابع، الذي يصف الحوثيين "جماعة إرهابية". ويدرج القرار الحوثيين ككيان على قائمة عقوبات اليمن في ظل حظر السلاح ، مصدر سابق https://news.un.org/ar/story/2022/02/1095132

[39] Gulf states’ neutrality on Ukraine reflects deeper Russian ties/ Simeon Kerr and Samer Al-Atrush Andrew England/28/2/2022

https://www.ft.com/content/5e3b0998-705f-46c4-8010-9972b3c8a847

[40] As Oil Nears $100, Saudis Snub U.S., Stick to Russian Pact Amid Ukraine Crisis/Benoit Faucon, and Summer Said/16/2/2022

https://www.wsj.com/articles/as-oil-nears-100-saudis-snub-u-s-stick-to-russian-pact-amid-ukraine-crisis-11645015415

[41] Oil surges above $100 for the first time since 2014 ... – CNBC/23/2/2022

https://www.cnbc.com/2022/02/24/oil-prices-jump-as-russia-launches-attack-on-ukraine.html

[42] How the Russia-Ukraine crisis could be a boon for Gulf energy producers/Bel Trew/25/2/2022

https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/ukraine-russia-invasion-gulf-energy-b2023098.html

[44] Amid Ukraine tension, oil traders are betting on an Iran deal/Stanley Reed/18/2/2022

https://www.nytimes.com/2022/02/18/business/energy-environment/oil-ukraine-russia-iran.html

نشر :