هل تدعم الصين القدرات العسكرية للحوثيين في البحر الأحمر؟

فؤاد مسعد | 5 مايو 2025 13:10
هل تدعم الصين القدرات العسكرية للحوثيين في البحر الأحمر؟

مدخل

تصاعدت حدة الاتهامات الأمريكية للصين بدعم جماعة الحوثي، وظهرت الاتهامات بشكلها الأخير من خلال حديث الخارجية الأمريكية منتصف أبريل/نيسان الجاري عن "شركة أقمار اصطناعية صينية تدعم هجمات الحوثيين في اليمن على المصالح الأميركية".

من جهتها نفت الصين الاتهامات الأمريكية، وقالت خارجية بكين إن الصين أدّت دوراً نشطاً في تخفيف حدة التوتر، منذ بدأ يتصاعد في البحر الأحمر.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتهم الولايات أبرز منافس لها بدعم الحوثيين، ففي بداية العام الجاري نشرت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية معلومات – عن المخابرات الأمريكية- تفيد بتعاون صيني مع الحوثيين من خلال توفير سلسلة توريد أسلحة متقدمة يستخدمها الحوثيون، وتعتمد بشكل كبير على مكونات تنتجها شركات خاصة مقرها في الصين، التي قالت التقارير إنها تسمح ببيئة متساهلة لشراء مكونات الأسلحة من الشركات المحلية.

وفي العادة فإن المسؤولين الأمريكان والإسرائيليين يعرضون بالعلاقة التي تربط بين الصين وإيران الداعم الأبرز للحوثيين منذ ظهور الحركة المسلحة في شمال اليمن قبل أكثر من عشرين سنة، وبالتالي فإن هذه العلاقة سهلت بناء علاقة تقوم على الدعم والتعاون بين الصين والحوثيين.

كانت هناك اتهامات مماثلة صدرت عن خبراء وعسكريين أمريكان ونشرتها وسائل إعلام أمريكية وأوروبية في السنوات الأخيرة منها، ما نقلته دويتشه فله الألمانية عن مجلة انترناشيونال انترست الأمريكية حول بعض الصواريخ المتطورة التي يمتلكها الحوثيون، ولا يمتلكها الإيرانيون، والجيش الصيني هو الوحيد الذي يمتلكها، ما يفيد ضلوع الصين في دعم الحوثيين بهذه الأسلحة.

تحاول الدراسة تناول الاتهامات الأمريكية والدور الصيني في ضوء تصاعد التنافس الأمريكي الصيني، بالتزامن مع حدوث تغيرات مهمة في سياسة الصين الخارجية التي بدأت تتخلى عن سياسة النأي بالنفس بعيداً عن التوتر، وأخذت تنخرط في المشهد السياسي والعسكري والأمني رويداً رويداً، ليصل إلى بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، إحدى أهم دول القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الممر الدولي الأكثر أهمية، في حركة النقل التجاري، والرابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.

 

الحضور الصيني في المنطقة

تسعى الصين منذ تسلم الرئيس الحالي "شي جين بينغ" السلطة في مارس/آذار 2013، إلى اعتماد سياسة خارجية وأمنية متوازنة، وبشكل خاص من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، ففي الكتاب الأبيض قام الرئيس جين بينغ بتعزيز نظرية الرئيس الصيني السابق "هو جينتاو"، مع الحفاظ على  التسلسل الهرمي للأهداف الاستراتيجية الواردة في الكتب البيضاء السابقة منذ العام 1995، وسلط الضوء على "مفهوم الأمن الشامل ومفهوم الأمن المشترك والأمن القائم على التعاون، حيث ترتبط الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتعاون بتدخلات عسكرية غير الحرب، لمواجهة التحديات والتهديدات الأمنية من قبل القوى المعادية"[1].

وثمة ما يؤكد وجود تحولات مهمة في السياسية الخارجية الصينية، فبدلاً من الانكفاء والانعزال بدأت الصين تتحرك تدريجياً نحو المشاركة والاندماج مع المجتمع الدولي، ومع ذلك فلا يزال هذا التحرك مشوباً بالحذر وملتزماً بثوابت ومحددات عدة مرتبطة بثوابت السياسة الصينية، التي تركز على حماية مصالحها بدرجة رئيسية وتطوير علاقاتها بما يعزز انفتاحها الاقتصادي ويحمي حضورها السياسي، ووفقاً لرؤية الصين لمفهوم الأمن الشامل والمشترك، يتحدد التدخل الخارجي بحماية المصالح والتجارة الصينية وإجلاء رعاياها في الخارج.

وشهدت السنوات الأخيرة حضوراً لافتاً للصين في الشرق الأوسط، وقد أعلنت الصين عن مبادرتها الجديدة (الحزام والطريق) في العام 2013، وتركز هذه المبادرة على المناطق الاستراتيجية براً وبحراً، لتشكل حلقة اتصال بين الصين وبقية دول آسيا مروراً بأفريقيا ثم أوروبا.

وأدت مراجعات مستمرة للسياسة الخارجية الصينية إلى حدوث التحول الأبرز في استراتيجية بيجين، وبداية انخراطها في التنافس الدولي على مناطق النفوذ الاستراتيجي، الأمر الذي عزز مرتكزات هذا الحضور، وظهرت شواهده في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات[2].

 وقد أولت السياسة الخارجية الصينية في القرن الواحد والعشرين اهتماماً حول قيام قوة صينية مسؤولة على صعيد العالم، وشددت القيادة الصينية على ضرورة زيادة انخراط الدولة في شؤون العالم، من دون السعي إلى تغييرها جذرياً دفعة واحدة، تماشياً وفلسفة الصعود السلمي، الأمر الذي جعل الاستراتيجيين والخبراء الصينيين في العلاقات الدولية يعكفون على وضع الخطط الملائمة لذلك. فقد اقترح الخبير "وانغ ييسي"، خطة استراتيجية عنوانها (السير غرباً)، هدفها تهيئة قدرات الصين للتدخل السياسي في المناطق الغربية ومنها العالم العربي، لكسب نفوذ يسمح بفرض مصالحها المحورية فيها، وفرض توازن قوى جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، في حين اقترح الخبير "لي يونغهو"، أن تتبنى الصين مقاربة مزدوجة، وتؤسيس علاقات جيدة بالقوى الكبرى القائمة، بالموازاة مع تحسين علاقاتها بالدول المجاورة والدول النامية، في إطار ما أطلق عليه "حزام محيط استراتيجي.[3]

 

وفي الآونة الأخيرة اتسعت رقعة التعاون الدبلوماسي بين الصين ودول الشرق الأوسط بما فيها الدول التي تعد حليفة رئيسية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل مواجهة التحديات المشتركة للعولمة الاقتصادية، وعلى خلاف الولايات المتحدة الأمريكية، جاء الخطاب الصيني مركزاً على منطق المساواة والتعاون، مع دول المنطقة.

واتجهت الصين لتطبيق سياسة التوسع، والعمل على التوازن الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والبحث عن وجود أحلاف لها لإثبات تواجدها ونفوذها بهدف تأمين مصادر النفط، كما سعت لكي تصبح شريکاً قوياً ومنافساً للولايات المتحدة، ومع صعود الصين في المجالات الاقتصادية والعسكرية، يبدو أنها استطاعت أن تقتطع لنفسها مجالًا متزايدًا من حرية الحركة على الساحة الدولية، ومِنْ ثَمَّ اتسعت تطلعاتها نحو مزيد من التمكين لنفسها كقوة كبرى في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة. كما أن انشغال واشنطن في حربها على ما يسمى بـ"الإرهاب" منذ عام 2001، دفع الصين لانتهاز هذه الفرصة بالتحرك في مساحات كبيرة في العالم[4].

ومع الأهمية الجيوستراتيجية التي يمثلها القرن الأفريقي بالنسبة للقوى الكبرى، من حيث تحكمه في مضيق باب المندب وخليج عدن، إلا أن أهميته تزداد بالنسبة للصين الصاعدة اقتصاديًّا، ليمثل نقطة حيوية واستراتيجية في تحقيق تطلعاتها الاقتصادية في أفريقيا لتأمين مبادرة "الحزام والطريق"، باعتبارها البوابة التي تشهد مرور التجارة الصينية من البر الصيني باتجاه أوروبا[5]. الأمر الذي يؤكد أن الصين وظفت علاقاتها وقدراتها الاقتصادية والدبلوماسية في توفير مساحة آمنة لها في هذه المنطقة الاستراتيجية، مع الإشارة هنا إلى المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن المخابرات الأمريكية تفيد أن الصين تدعم الحوثيين في تهديد حركة الملاحة البحرية مقابل سماح الحوثيين للسفن الصينية بالمرور بأمان.

 

واشنطن وبكين.. من التنافس إلى الصراع

ثمة فرضية للمؤرخ والجنرال العسكري اليوناني ثوسيديس، تُعرف  بـ (فخ ثوسيديس) مفادها: حين تهدد قوة صاعدة نفوذ القوة المهيمنة، فإن الحرب بينهما هي النتيجة الأكثر احتمالاً، وذلك في سياق حديثه عن  الصراع بين "اسبرطة" المهيمنة في عصره الذي شهد صعود قوة "أثينا"، ومنها يستنتج الباحث الأمريكي غراهام تي اليسون أن الصين والولايات المتحدة تسيران نحو الحرب، بعدما باتت قوة الصين الصاعدة تهدد النفوذ الأمريكي، مشيراً إلى أنه في 12 من أصل 16 حالة، تواجهت فيها قوة صاعدة مع القوة المهيمنة خلال الـ500 عام الماضية، كانت النتيجة سفك الدماء.

وازداد الحديث عن هذه الفرضية أو ما يسمى "الحرب الباردة الجديدة" لوصف العلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة. ويبدو أن هناك معطيات عديدة تؤكد صحة هذه الرؤية الخطيرة، منها الحرب التجارية التي تشها إدارة ترامب على الصين، والاتهامات الأمريكية المتكررة للصين، وفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على شركات صينية[6].

وفي المقابل هناك من يرى أن الحرب الباردة الجديدة المزعومة ليست أكثر من انعكاس للأيديولوجيا التي تحكم رؤية أصحابها للعالم وجزء من الدعاية التقليدية لإثارة الرعب من خصم جديد في سياق شيطنته أكثر منها تعبير عن جوهر الصراع الصيني الأميركي القائم.

ومن دروس التاريخ في هذا السياق أن أي دولة في العالم، عندما يصل حجم اقتصادها إلى 60% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، فإنها تشكل تهديدا للهيمنة الأمريكية على العالم، وبالتالي ستواجه سياسة لي الذراع الأمريكية[7].

 ومنذ شهورها الأولى في البيت الأبيض سارعت إدارة ترامب في جولته الثانية إلى التصعيد مع الصين من خلال فرض رسوم جمركية على السلع والمنتجات الصينية، الأمر الذي قابلته بكين بالمثل، وتبادل الطرفان فرض الرسوم الجمركية المتزايدة، مع ما يهدد ذلك من إلحاق أضرار جسيمة باقتصاد البلدين، فضلاً عن كونه يدفع بالحرب التجارية بين البلدين إلى نقطة اللاعودة[8].

وعند أخذ التطورات الجديدة في الشرق الأوسط بعين الاعتبار، سيما ما يتعلق بالتصعيد في البحر الأحمر، والموقف الأمريكي تجاه الحوثيين في اليمن، فإن احتمالات التصعيد بين القوتين العظميين واردة، وإن ظلت في حدود معينة لا تسمح بالانزلاق إلى مستوى المواجهة المباشرة. غير أن واشنطن تبدو عازمة على إلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد الصيني، من خلال استخدام مبرر تحجيم الحركة الحوثية المسلحة في اليمن، وذلك ما كشفت عنه استراتيجية ترامب التي تمنح مواجهة الحوثيين أولوية قصوى لتأمين مصالح واشنطن وحلفائها في البحر الأحمر، وكذلك تأمين حركة التجارة العالمية.

 وفي هذا الصعيد فإن الإدارة الأمريكية تبدو أكثر إصراراً على خوض أكثر من معركة ضد الخصوم والمنافسين، ويشمل ذلك الصين وإيران والحوثيين، وفي السردية الأمريكية التي تتضمن اتهام الصين بدعم الحوثيين مقاربة لجمع أكثر من هدف في سلة واحدة، وبما يجعل العمل على كبح جماح النفوذ الصيني الآخذ في التوسع أولوية لأنه سيؤدي- بالضرورة- إلى حرمان الحوثيين من أحد أهم مصادر الدعم والتسليح، فضلاً عن أن التصعيد ضد إيران والتشديد في العقوبات الاقتصادية عليها ربما يقود إلى نسف الجسور الرابطة بين طهران وبكين، بحرمان الأولى من قيمة النفط الذي تبيعه للصين، وحرمان هذه الأخيرة من النفط الإيراني الذي تحصل عليه بسعر زهيد وتخفيضات كبيرة.  

 ومن هنا يمكن النظر إلى تركيز القصف الأمريكي على مستودعات الأسلحة الحوثية ومنصات الوقود في موانئ الحديدة ورأس عيسى، كضرورة أمريكية لإضعاف الحوثيين عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى كونه يستهدف سوقاً للأسلحة الصينية في اليمن المجاور لأهم مصادر الطاقة وأبرز حلفاء واشنطن في السعودية والخليج العربي، فضلاً عن إطلالة اليمن على الممر المائي الدولي في مضيق باب المندب.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة رؤى استراتيجية أمريكية تبلورت في السنوات الأخيرة، تحث الإدارة الأمريكية على بذل الجهد لتأمين حرية الملاحة في شرق آسيا، تحديداً في بحر الصين الجنوبي، وفي البحر الأحمر (جنوب غرب آسيا)، مشددة على ضرورة الربط بين الأهمية الاستراتيجية للمنطقتين، ويرى رواد هذه الرؤية أن الولايات المتحدة "أثبتت أنها مدافع فاتر عن حرية الملاحة في مناطق شاسعة مثل بحر الصين الجنوبي، حيث تُصرّ الصين بشكل غير قانوني على "سيادتها غير القابلة للجدل" - أي ملكية الدولة - على طريق بحري حيوي اقتصاديًا".[9] ويستنتج الخبير الاستراتيجي جيمس هولمز، رئيس كرسي "جي سي ويلي" في كلية الحرب البحرية، أنه إذا لم تبذل الإدارات الرئاسية المتعاقبة جهدًا يُذكر لدعم حرية الملاحة في شرق آسيا، وهي منطقة بالغة الأهمية للبنتاغون، فمن المستبعد أن تُظهر المزيد من الحزم في البحر الأحمر.[10]

وإذا ما غدت قضية بحر الصين الجنوبي أولوية لدى إدارة ترامب، في ظل التصعيد ضد الحوثيين لتأمين البحر الأحمر، فإن ذلك كفيل بإضافة عوامل أخرى للصراع المحتمل مع الصين، فهي تمثل – في نظر الأمريكان- العدو الوحيد في شرق آسيا، كما أنها تبدو كداعم للحوثيين الذين يثيرون المشاكل ويعرقلون حرية الملاحة في البحر الأحمر.

 

بين الصين والحوثيين: نفط إيراني وأسلحة متطورة وأقمار صناعية

 اتهمت الخارجية الأمريكية مؤخراً شركة تشانغ قوانغ الصينية بدعم هجمات الحوثيين على المصالح الأمريكية بشكل مباشر.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس في إفادة صحفية دورية (الخميس 17 أبريل): "بإمكاننا تأكيد التقارير التي تفيد بأن شركة تشانغ قوانغ لتكنولوجيا الأقمار الصناعية تدعم بشكل مباشر الهجمات الإرهابية للحوثيين المدعومين من إيران على المصالح الأمريكية".

وأقرت بروس بخبر نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، نقلت فيه عن مسؤولين أمريكيين، قولهم إن الشركة المرتبطة بالجيش الصيني قدمت صوراً تسمح للمتمردين الحوثيين باستهداف السفن الحربية والسفن التجارية الأمريكية التي تمر عبر البحر الأحمر، مشيرةً إلى أن مساعدة الشركة للحوثيين استمرت على الرغم من تواصل الولايات المتحدة مع الصين بشأن هذه القضية.

وكانت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، قد كشفت مطلع العام الماضي، نقلاً عن مسؤولي استخبارات غربيين، أن الصين "تساعد إيران دون قصد" في خنق حركة السفن في البحر الأحمر، مما يعوق تدفقات التجارة العالمية. وأرجعت ذلك إلى مشتريات الصين "غير المشروعة" من نفط إيران، التي تمول بشكل غير مباشر سلسلة الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، وكان لها تأثير مروع على حركة الشحن العالمية.[11]

وتستمد الصين نحو 10 بالمئة من نفطها من إيران، حيث تمكنت الشركات الصينية من شراء النفط الخام بخصم كبير. حيث تشتري الصين حوالي 90 بالمئة من النفط الإيراني، بما في ذلك النفط الخام الذي يبيعه الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن العمليات العسكرية الخارجية لطهران، وفق "بوليتيكو" التي نوهت أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري "يقوم بتدريب وتمويل وكلاء إيران في الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن". وحسب الصحيفة، فإن العقوبات الدولية على النظام الإيراني تركته يعاني من ضائقة مالية، مما دفعه إلى "منح فيلق القدس مخصصات سنوية من النفط لبيعها في الخارج، من خلال شبكة معقدة من الشركات"، لتتمكن إيران من "مواصلة تمويل وكلائها".

 وفي يناير/كانون ثان الماضي نشرت وسائل أمريكية وإسرائيلية معلومات عن مصادر أمريكية تفيد بتعاون صيني مع الحوثيين، وتضمّن توفير سلسلة توريد أسلحة استفاد منها الحوثيون في الحصول على أسلحة متطورة، ووفقاً لمعلومات استخباراتية فإن الحوثيين يستخدمون أسلحة صينية الصنع لشن هجماتهم، كجزء من الاتفاقيات التي بموجبها ستكون السفن المملوكة للصين محصنة. وفي المقابل، تقدم الصين الدعم السياسي للحوثيين. ووفقاً لتقديرات المخابرات الأمريكية، فإن الأسلحة المتقدمة التي يستخدمها الحوثيون تعتمد بشكل كبير على مكونات تنتجها شركات خاصة مقرها في الصين التي تسمح ببيئة متساهلة لشراء مكونات الأسلحة من الشركات المحلية.[12]

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فقد قامت واشنطن بتمرير المعلومات المتعلقة بسلسلة التوريد هذه إلى بكين عدة مرات، بما في ذلك قوائم الشركات الصينية التي تشكل جزءًا من آلية تسليح الحوثيين. ولم ترد أي مؤشرات على الإجراءات التي اتخذها النظام الصيني ضد الشركات.[13]

الجدير بالذكر أن ترسانة الحوثيين ظلت تثير قلقاً دولياً، خاصة وأن هجماتهم في البحر الأحمر كشفت عن أسلحة متنوعة وعلى قدر كبير من الخطورة، ويمكن أن تلحق أضراراً فادحة في السفن التجارية، وفي حركة الملاحة الدولية في المنطقة، ومع هذا القلق أثيرت التساؤلات حول مصادر السلاح الحوثي، خاصة تلك الأسلحة التي لا تمتلكها إيران الداعم الرئيسي للحوثيين. حيث يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي (جيمس هولمز)، إن "الحوثيين أطلقوا على سفينة تجارية صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن، وهو نوع من الأسلحة يمتلكه فقط الجيش الصيني".[14]

وفي تقرير نشرته مجلة ناشيونال انتريست الأمريكية، قال هولمز إنه "يصعب التقليل من شأن المشروع الفني لجماعة الحوثي"، وهو "مشروع ضخم تقوم عليه جماعة أقرب إلى دولة، تدعمها إيران العميل غير الرسمي للصين"، وتساءل: الخبير الأمريكي: هل تنشر بكين تكنولوجيا الصواريخ؟ وأوضح أنه يبدو من غير المحتمل أن يقوم المشرفون على الجيش الصيني، من تلقاء أنفسهم، بنقل نظام سلاح بمثل هذه القوة لإيران، حيث أنه ربما يذهب إلى ترسانات الحوثيين وغيرهم بحسب ميول إيران.[15]

ومقابل الاتهامات الأمريكية تكتفي الصين بالنفي الهادئ، تفادياً لأي تصعيد محتمل مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع أن الصين تسارع أحياناً للرد على الاتهامات بالنفي المطلق، إلا أنها في أحيان كثيرة تتجاهل الاتهامات وتتجنب الخوض فيها، ويكتفي مسؤولو الصين بردود مقتضبة تتسم بالهدوء، كمثل قول المتحدث باسم خارجية بكين رداً على الاتهامات الأخيرة: "إنه ليس على علم بالاتهامات"، متهماً واشنطن بتأجيج الوضع عبر ممارسة الضغوط.[16]

ومن هنا يجب أن لا نفصل العلاقة بين الحوثيين والصين عن القاسم المشترك بين الطرفين، (إيران) التي تربطها بالصين علاقات اقتصادية وتفاهمات معلنة وغير معلنة، وهي ذاتها التي تدعم الحوثيين، ما يؤكد أن علاقة طهران بكلا الطرفين كان لها الدور الأساسي في إبرام اتفاقات وإرساء دعائم التعاون، مع أن الصين- من ناحية رسمية على الأقل – تؤكد دائماً دعمها للحكومة اليمنية الشرعية، وحرصها على وقف الحرب ودعوتها لكل الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار والاتفاق على تحقيق السلام، مع التأكيد على أنها تتحدث مع الحوثيين وترفض هجماتهم في البحر الأحمر.[17]

والخلاصة أن التصعيد بأشكاله السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية يضع المنطقة في صفيح ساخن، تتجلى مظاهره وتداعياته في الهجمات الجوية ضد الحوثيين بعد صدور القرار الأمريكي بتصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية، بالإضافة إلى الاتهامات الأمريكية للصين بدعم الحوثيين تأتي في سياق تصعيد إدارة ترامب التي لا يبدو أنها تفضل التهدئة مع التنين الذي باتت قوته الاقتصادية المتصاعدة تهدد نفوذ البيت الأبيض في مناطق عدة من العالم، تبدأ من بحر الصين الجنوبي ولا تنتهي بالمياه الدافئة التي تشملها خارطة الطريق والحزام التي أعلنتها بكين قبل أكثر من عشر سنوات.

 

 

المراجع

 


[1] شريفة كلاع، التواجد الصيني في شرق أفريقيا، الدوافع، الفرص والتحديات، المجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية، المجلد 5، العدد 2، أكتوبر 2021، صـ337.

[2] فؤاد مسعد، النفوذ الصيني في القرن الأفريقي، مركز أبعاد للدراسات والبحوث، ديسمبر 2023، (شوهد في 22 أبريل 2025)، على الرابط: https://abaadstudies.org/strategies/topic/60078 .

[3] شريفة كلاع، المنظور الصيني لمنطقة الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين، مجلة أبحاث، المجلد 8، العدد 1، يونيو 2023، صـ398.

[4] النفوذ الصيني في القرن الأفريقي، مرجع سابق.

[5] الشافعي ابتدون، سياسة الصين الجديدة في القرن الإفريقي: الثابت والمتغير، مركز دراسات الجزيرة، أبريل 2022، صـ4.

[6] هل نحن أمام حرب باردة جديدة بين الصين وأمريكا؟، قناة سي جي تي إن عربية، 25 يوليو 2020. (شوهد في 22 أبريل 2025)، على الرابط:  https://tinyurl.com/22s65dkl .

[7] المرجع نفسه.

[8]  الصين تبدي استعداداً للاستمرار في الحرب التجارية ضد ترامب، بي بي سي عربية، 8 أبريل، 2025، (شوهد في 22 أبريل 2025)، على الرابط: https://tinyurl.com/2a4khbo9 .

[9]  Houthi Rebels Cry Havoc! And Let Slip the Drones of War, on this link:

   https://tinyurl.com/29e62vo9

[10] المرجع نفسه.

[11] How China ended up financing the Houthis’ Red Sea attacks, on this link:

https://www.politico.eu/article/china-finance-houthi-red-sea-attacks-iran-oil/

[12]  غاي عزرائيل، مراسل الشؤون السياسية لقناة i24NEWS العبرية: تعاون سري بين الحوثيين والصين، 1 يناير 2025، (شوهد في 19 أبريل 2025)، على الرابط: https://tinyurl.com/28245cb2 .

[13] المرجع نفسه.

[14]  عماد حسن، على ماذا يعول الحوثيون في تحديهم للتحالف الغربي؟ دويتشه فله، 12 يناير 2024، (شوهد في 23 أبريل 2025)، على الرابط: http://tinyurl.com/ythgku8p .

[15]  المرجع نفسه.

[16] واشنطن تتهم بكين بدعم الحوثيين باستهداف مصالحها عبر شركة تزودهم بصور من الأقمار الاصطناعية، مونت كارلو الدولية، 19 أبريل 2025، (شوهد في 24 أبريل 2025)، على الرابط: https://tinyurl.com/2a9fcx89 .

[17] الصين تدعم الشرعية وتتحدث مع الحوثيين وترفض هجماتهم البحرية، صحيفة الشرق الأوسط، 7 يوليو 2024، (شوهد في 24 أبريل 2025)، على الرابط:  https://tinyurl.com/2cnwbqtv .

نشر :