مقدمة:
اشتعلت المواجهة في 13 يونيو/حزيران 2025، عندما شنت إسرائيل غارات مركزة على الأصول النووية الإيرانية وقدراتها العسكرية بما في ذلك العلماء والقادة العسكريين.
شكّلت تلك العمليات الافتتاحية جزءًا من حملة أوسع تهدف إلى تحطيم منظومات الدفاع الجوي والصاروخي في إيران، مع استهداف مواقع تخصيب اليورانيوم، وقد أعلنت إسرائيل أن هدفها هو تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وكان تغيير النظام هدفاً غير معلناً للحرب[1].
وردًّا على هذا التصعيد، شنت إيران هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة على إسرائيل، منها إطلاق صواريخ “خرمشهر-4” المتطورة القادرة على حمل رؤوس حربية متعددة.
ثم تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر في 21 يونيو/حزيران 2025، فوجّهت ضربات إلى ثلاثة مواقع نووية إيرانية: فوردو وأصفهان ونطنز. والرئيس دونالد ترامب هو أول رئيس أمريكي يهاجم البرنامج النووي لدولة أخرى وأول من ينضم صراحة إلى إسرائيل في هجوم على خصم[2]، واستُخدمت خلالها قنابل “خارقة للتحصينات” لاستهداف المنشآت المحصنة تحت الأرض، وهي مكونات حيوية في البنية التحتية النووية الإيرانية، ورداً على ذلك شن الحرس الثوري هجوماً بالصواريخ على قاعدة العُديد الجوية الأمريكية في دولة قطر؛ لكن الهجوم لم يلحق أضراراً في المنشأة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط.
بعد ساعات في 25 يونيو/حزيران أعلن الرئيس الأمريكي التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الإيرانيين والإسرائيليين بوساطة الدوحة.
وشهدت الفترة الممتدة على مدى 12 يوما تبادلا مكثفا للأعمال العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، وهي المواجهة التي أطلق عليها البعض "حرب الـ12 يوما". ويمثل هذا الصراع تصعيدا كبيرا في التوترات طويلة الأمد المحيطة ببرامج إيران النووية والصاروخية الباليستية، مما يثير تساؤلات ملحة حول الاستقرار الإقليمي والمسارات الجيوسياسية المستقبلية.
وبينما لا يزال المدى الكامل للضرر العسكري الذي لحق بالقدرات الاستراتيجية لإيران خاضعًا لتقييمات متضاربة، فقد أحدث الصراع تحولات عميقة ومعقدة في السياسة الداخلية الإيرانية، وعلاقاتها مع دول الخليج المجاورة، وتماسك "محور المقاومة" الذي عانى خلال العام الماضي انتكاسات كبيرة، حيث أضعف وكلاء رئيسيون بشدة، أو في بعض الحالات، تم تحييدهم.
يقدم هذا الملف تقييماً للاستقرار الإقليمي على المدى القريب والمتوسط، مع فرضية أن الصراع لم يُغيّر جذريًا طموحات إيران النووية بعيدة المدى أو قدرتها على إعادة بناء برنامجها، ولكنه أدخل تعقيدات جديدة إلى حساباتها الاستراتيجية في ظل توقعات بتغيّر المشهد الداخلي.
ونفترض أيضا أن توازن القوى الإقليمي في حالة تقلب وسيستمر على المدى القصير؛ مع تزايد أهمية الدبلوماسية في وقت تسعي دول الخليج إلى تحقيق مصالحها.
كما أن تعرّض فعالية محور المقاومة كرادع جماعي لخطر شديد، وفشل الاستجابة مع استهداف إيران، وهذا يجبر طهران على إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية الأوسع وجدوى شبكة وكلائها، وعلاقتها مع حلفائها الدوليين (روسيا والصين).
تقييم الأضرار الأولية والأهداف الاستراتيجية للضربات
كانت الأهداف الاستراتيجية وراء الضربات الأمريكية والإسرائيلية متعددة الجوانب لاستهداف "البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، والقادة العسكريين والعلماء النوويين، والدفاعات الجوية". ووصفت إسرائيل العملية بأنها محاولة الملاذ الأخير لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. على الرغم من أن إدارة ترامب قد استأنفت مؤخرا المفاوضات النووية مع إيران، إلا أن الرئيس ترامب أعرب بشكل متزايد عن دعمه لأهداف إسرائيل وأشار إلى انفتاحه على تغيير النظام في طهران[3]. كما صُممت العملية الأمريكية، المسماة "عملية مطرقة منتصف الليل"، صراحةً لـ"إعاقة، إن لم يكن تدمير، البرنامج النووي الإيراني، وإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية في وضع أضعف بكثير"[4]. وكان الهدف الأساسي المُعلن هو إضعاف قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وخاصة أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً وواسعة النطاق.
مع ذلك، تضاربت التقارير بشأن حجم الأضرار الفعلية. فقد أكد الرئيس ترامب وقوع "أضرار جسيمة" وحتى "تدمير كامل" للمواقع النووية الإيرانية[5]، بينما أشار مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية[6] إلى أن إعادة بناء هذه المنشآت ستستغرق سنوات. وعلى العكس من ذلك، تظل التقييمات الشاملة للأضرار غامضة وغير واضحة. أكدت صور الأقمار الصناعية وجود حفر ومداخل أنفاق منهارة في نطنز وفوردو.[7] وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أن أجهزة الطرد المركزي في فوردو لم تعد تعمل "لأن أجهزة الطرد المركزي حساسة للغاية تتوقف عند أبسط اهتزاز"[8].
لكن النتائج تبقى محل شك فهناك دلائل تشير إلى أن إيران ربما تكون قد توقعت الضربات، ومن المرجح أنها قامت بملء الأنفاق في مواقعها النووية في أصفهان وفوردو بالتربة قبل الهجمات الأميركية لحمايتها من الضربات[9]. وتشير التقارير إلى أن إيران "نقلت قبل الضربة الأمريكية مخزونات رئيسية من اليورانيوم عالي التخصيب من منشآت معلنة إلى مواقع غير معلنة" وفقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثرها[10]. فيما يشير تحليل أولي أجرته وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، الذراع المخابراتية للبنتاغون، إلى أن الضربات لم تدمر بعض المكونات الرئيسية للبرنامج النووي الإيراني وربما أعاقت طموحات طهران النووية لبضعة أشهر فقط[11]. ورغم تأكيد البيت الأبيض للتحليل الأولي إلا أنه شدد أنه جرى تدمير البرنامج بالكامل.
يكمن القصور الجوهري للضربات في قدرتها على تدمير المنشآت دون الإطاحة بالقدرات الكامنة. فالقصف العسكري قد يدمر الأجهزة والبنى التحتية، لكنه لا يستطيع اجتثاث المعرفة واستئصال المواد الحيوية الموّزعة على الجغرافيا الإيرانية والمخفية أو قهر الدوافع الاستراتيجية وراء السعي إلى السلاح النووي. وبفضل نقل إيران لأهم مخزوناتها الحساسة قبل الغارات، بقيت نواة برنامج التخصيب محمية، فيما تمثل المخابئ المحصنة منصة انطلاق جاهزة لإعادة بعثه. [12] لذلك فإن تحقيق النجاح بوقف إيران من تطوير القنبلة النووية يقوم على أربعة عوامل مترابطة: الأول، العزم السياسي الداخلي في إيران على كبح أي مسار لتطوير الأسلحة، والثاني تغيير عقيدة الدولة النووية من طموح لامتلاك السلاح النووي، إلى التخلي عن المشروع، والثالث، الجهود الدبلوماسية الدولية لإرساء ضمانات صارمة تدعمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والرابع، وجود ردع عسكري احتياطي، وفي غياب هذه العوامل ، لن تؤدي الفعالية التكتيكية للضربة إلا إلى توقف مؤقت، مما يؤخر المواجهة التالية بشأن طموحات إيران النووية بدلاً من منعها.
وبعيدا عن المنشآت النووية، حققت الهجمات الإسرائيلية بفعل الاختراق الأمني المخابراتي والتكنولوجي نجاحاً كبيراً، حيث تدهور هيكل القيادة والسيطرة للنظام الإيراني بشكل كبير، قامت إسرائيل بتصفية الكثير من قياداته العليا، بما في ذلك كبار القادة من الحرس الثوري الإسلامي، وفيلق القدس، والقوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، والذين يصل عددهم إلى أكثر من 31، بينهم على الأقل 11 عالم نووي إيراني، وهؤلاء القادة والعلماء كانوا مسؤولين بشكل مباشر وغير مباشر عن تطوير البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الذي أظهر فعاليته خلال الحرب، وعلى الرغم من أن هناك صعوبة في استبدال هذه القيادة بما تتمتع به من مهارات وارتباط بهذه البرامج إلا أن أي قيادة جديدة عسكرية من الجيل الجديد للحرس الثوري لا يتوقع أن يكونوا أكثر حكمة وصبر من القيادة السابقة.
كما تقلصت مخزونات الصواريخ الباليستية الإيرانية "بوتيرة سريعة" بسبب هجماتها على إسرائيل، والضربات الإسرائيلية على منصات إطلاق الصواريخ والمستودعات، وحسب التقديرات فإن إيران فقدت 35% من مخزونها من الصواريخ الباليستية وحوالي نصف منصات إطلاقها[13]. وتزعم إسرائيل أيضًا أنها دمرت جزءًا كبيرًا من شبكة الدفاع الجوي الإيرانية والتي بدأت بهجمات أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024[14]، مما يجعل البلاد عرضة للخطر بشكل كبير في السيناريوهات التصعيدية اللاحقة والتي كانت متوقعة.
المجال |
الأضرار/التأثيرات المبلغ عنها |
التوقعات متوسطة المدى |
مصدر التقييم |
المنشآت النووية |
أجهزة الطرد المركزي "لم تعد تعمل" في فوردو؛ انهيار مداخل الأنفاق في نطنز وفوردو؛ تدمير منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان؛ تدمير معدات الطاقة السابقة في نطنز. |
بامتلاك المعرفة، ووجود منشآت سرية، مع احتمالية وجود مخزون اليورانيوم المخصب بشكل كبير فإن إعادة ستستغرق عام على الأقل. |
IAEA,[15] صور الأقمار الصناعية,[16] Institute for Science and International Security.[17] |
قدرات الصواريخ الباليستية |
"المخزونات تتقلص بمعدل سريع" بسبب الهجمات والضربات المضادة. وتضرر منصات إطلاق الصواريخ والمسيرات. |
مع الأضرار الكبيرة، والهجمات على المعامل والمصانع، ففي أفضل السيناريوهات سيكون إعادة التصنيع والتسليح أكثر صعوبة ويستغرق وقتاً أطول بكثير. وستركز إيران على زيادة مخزوناتها.
|
CFR)[18]) |
القيادة والسيطرة (الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس، القوة الجوية الفضائية) |
تدهورت بشكل كبير؛ حيث قُتل عدد كبير من كبار القادة، بما في ذلك قادة الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، وقوات الحرس الثوري الإيراني الجوية. |
إمكانية إبطاء عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية "النظام" مهتز لكنه قادر على الصمود، وقادر على التعويض. |
(CFR), Understanding War.[19] |
شبكة الدفاع الجوي |
تم تدمير جزء كبير من الشبكة. |
يجعل إيران عُرضة للخطر الشديد في سيناريوهات التصعيد المتبادل ؛ كما أن استبدال الشبكة "ليس سهلا".[20] |
(CFR), BizNews[21] |
الجدول 1: ملخص الأضرار المبلغ عنها للبرامج الاستراتيجية الإيرانية |
أولاً: تأثير الحرب على المشهد الداخلي الإيراني
أثرت الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية بشكل كبير على المشهد الداخلي الإيراني، مما أثر على استقرار النظام، والمشاعر العامة، ونهج الدولة تجاه المعارضة والإدارة الاقتصادي، وعلى الرغم من الخسائر العسكرية والنووية الفادحة، بما في ذلك إبادة كبار القادة العسكريين والنوويين أظهر النظام الإيراني قدرةً ملحوظةً على الصمود، ويستند ذلك إلى شعور إيراني قوي بالهوية رغم الروابط العرقية المُعقّدة، لذلك فإن "الضغط الخارجي وحده لن يُسقطه"[22].
- السياسة الداخلية.. المرونة ونقاط الضعف
مع ذلك فإن هذه المرونة داخل إيران تحمل معها معاناة النظام من نقاط ضعف داخلية كبيرة، إذ يصارع باقتصاد متعثر وتضخم متفشي، وحركات احتجاجية مستمرة.
في الوقت ذاته فإن تجربة حرب الـ12 يوماً انحرافاً في نهج النظام التاريخي باستخدام الصراعات الخارجية كأداة لصمود سلطته. لذلك تسببت هذه الحرب في إثارة القلق الداخلي وطرحت تساؤلات حول قدرة النظام على حماية شعبه وأصوله الاستراتيجية.[23] وعلاوة على ذلك، هناك تقارير عن "أزمة ولاء" داخل قوات الأمن الإيرانية، مع وقوع حوادث انشقاق ورفض تنفيذ الأوامر، وهو ما قد يقوض سيطرة النظام[24]، لذلك فإن النظام في إيران سيعاني بالفعل من اضطراب داخلي بعد الحرب مع اهتزاز الثقة بقدرة النظام على الدفاع عن نفسه وعن سيادة البلاد.
وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل يسقط النظام لاحقاً مع تداعيات هذه الحرب ليكون سقوطه كنتيجة؟ وهو أمر كرره الإسرائيليون والأمريكيون، وكيانات أخرى معارضة في الخارج. كما أنه يثير العديد من الأسئلة غير المريحة ولكنها ضرورية: هل هناك خارطة طريق قابلة للتطبيق لليوم التالي؟ ومن هو الشخص والجهة المستعدة للحكم ؟
الرأي العام في إيران معقد ومتعدد الجوانب[25] ، فغالبية المواطنين يرون أن تغيير النظام عبر التدخل الخارجي يُشكّل خيانة عميقة لطموحاتهم الديمقراطية، التي عبّروا عنها مرارًا من خلال احتجاجات سلمية طال أمدها، ومع أن النظام يواجه استياءً شعبيا واسع النطاق، ويُثقل كاهل الأسر الإيرانية بتضخم اقتصادي قاسٍ، إلا أنه غالبًا ما يتجاهل أنصار اسقاط النظام المعضلة الأخطر: الفراغ المحتمل في السلطة.
البدائل المعروضة، كـ"مجاهدي خلق" أو أتباع الشاه، تفتقر إلى الشعبية داخل إيران، ويسود الاعتقاد بأن الفراغ السياسي المحتمل لن تملأه قوى ديمقراطية قريبة من الغرب، بل قد تدخل البلاد ساحة لصراعات داخلية دموية على السلطة.
وفي ظل غياب معارضة موثوقة أو قيادة موحدة، يبدو أن الرغبة الشعبية الكامنة لتغيير النظام تواجه تحديًا ضخمًا يتمثل في "جهاز أمني متعدد الطبقات" يكرّس جهوده لحماية النظام وإدامة القمع السياسي. لذلك في أعقاب الضربات مباشرةً، شنّت إيران حملة قمع شاملة على المعارضة الداخلية[26]، ومراقبة واسعة، ويشير تقرير إلى اعتقال أكثر من 1500 شخص في الأسبوعين الأولين من الحرب معظمهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم، أو لكونهم ناشطين سياسيين وحقوقيين، وأصدر البرلمان قانوناً فضفاضاً يشدد العقوبات على المتعاونين مع "إسرائيل" والولايات المتحدة والكيانات المرتبطة بهما بما في ذلك وسائل الإعلام.
- التأثير الاقتصادي
ألحقت الضربات العسكرية أضرارًا مباشرة بالبنية التحتية الإيرانية، خاصة المنشآت النووية الإيرانية، حيث تشير بعض التقييمات إلى أن جهود إعادة البناء قد تستغرق سنوات، كما حدث تدمير واسع النطاق في 27 مقاطعة (المطارات، ومرافق الطاقة، والمواقع العسكرية والنووية) مما يتطلب إعادة إعمار واسعة النطاق وعشرات المليارات من الدولارات من تكاليف إعادة البناء[27]، بينما التقديرات المحددة للتكلفة المالية لهذا الضرر ليست مفصلة بشكل صريح، فإن إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية تخلق أعباء مالية كبيرة.
كما أن الضربات تسببت بخسائر أخرى في الاقتصاد مما أدى إلى تفاقم نقاط الضعف القائمة في اقتصادٍ متضرر بشدة من العقوبات الدولية، ففي حين أن منشآت الطاقة الموجهة للتصدير نجت إلى حد كبير من الهجمات المباشرة[28] لتجنب التأثير بشكل كبير على الأسواق الدولية، إلا أن الخوف من القصف أعاق الإنتاج في بعض المنشآت المحلية، وفي بعض الحالات، حدث توقف مؤقت لإنتاج الغاز، وهذا يُترجم مباشرةً إلى خسارة في الإيرادات. وأدت المخاطر الأمنية المتزايدة والاضطرابات إلى انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية، ففي 18 يونيو /حزيران 2025، أفادت التقارير بانخفاض صادرات النفط إلى أقل من نصف متوسطها الأخير، مما أدى إلى خسائر في الإيرادات بعشرات الملايين من الدولارات.[29]
وهو ما يعني أن السلطة الإيرانية ستقوم بتغيير تفاصيل الانفاق في ميزانية العام 1404 (مارس 2025 - مارس 2026) من الخدمة العامة إلى الدعاية والقمع المحلي، على الرغم من أنها خصصت في الموازنة زيادة كبيرة في تمويل وسائل الإعلام وقوات الأمن والمؤسسات الدينية الخاضعة لسيطرة الدولة، مع إعطاء الأولوية بشكل صريح "للدعاية والتوسع العسكري والسيطرة الأيديولوجية" على حساب المصلحة العامة[30]، أما التمويل الكبير للحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك فيلق القدس، وكذلك البرامج النووية والصاروخية الباليستية، يتم "خارج السجلات الرسمية"، ويفتقر إلى الشفافية والرقابة العامة.
وتشير التقارير إلى أن حصة الحرس الثوري الإيراني من عائدات النفط في الميزانية زادت ثلاثة أضعاف، كما أنه يحتفظ بالأولوية في بيع النفط، مما يسمح له بتوليد أرباح كبيرة من خلال الحصول على الإيرادات بأسعار السوق الموازية[31]، بالإضافة إلى ذلك، سيتم نقل المزيد من أصول الدولة إلى المؤسسات التابعة للحرس الثوري.
في حين أن التغييرات الجديدة لن تكون مفصلة بشكل صريح، إلا أن الضعف العام للقدرات العسكرية الإيرانية وضغوطها الاقتصادية الداخلية الشديدة[32]تشير إلى ضغوط محتملة على قدرة النظام على الحفاظ على مستويات الدعم المالي السابقة لوكلائه في الشرق الأوسط والتركيز على إصلاح بنيتها التحتية العسكرية والاقتصادية.
يعطي النظام الأولوية للأمن الداخلي والإنفاق العسكري في ميزانيته على حساب حلفائه ووكلائه في المنطقة ضمن محور المقاومة الذي أصبح ضعيفاً.
ج) حسابات العقيدة النووية
حتى قبل الحرب الحالية، كان ضعف محور المقاومة وتحوله إلى الاهتمامات المحلية قد أثار نقاشًا داخل إيران حول مراجعة عقيدتها النووية، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة على قرار إيراني بامتلاك أسلحة نووية، إلا أن عددًا متزايدًا من كبار المسؤولين يدعون إلى مراجعة شاملة للعقيدة الدفاعية للبلاد والنظر في تطوير سلاح نووي[33].
وكان المرشد الأعلى خامنئي أصدر فتوى تحظر الأسلحة النووية في عام 2003،[34] ويعود السبب السياسي إلى أن إيران كانت تخشى من أن البدء بامتلاك سلاح نووي خوفًا من ضربة استباقية من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما. وبما أن الضربات حدثت بالفعل وتعرضت صورة النظام لتهديد السقوط فقد يسعى النظام إلى دفع قدراته في التخصيب إلى عتبة التسليح، ليكون مستعداً للتسارع السريع في المستقبل إذا واجه تهديدًا وجوديًا آخر، ويبدو أن القرار بذلك سيُتخذ في خضم المفاوضات المتوقعة مع الولايات المتحدة.
لقد كشفت "حرب الأيام الاثني عشر" بوضوح عن عزلة إيران على الساحة العالمية، حيث بدى وكلاؤها الإقليميون أضعف ولم يلعبوا أي دور تقريبًا في الصراع.
وقد أدت هذه الهشاشة المتصورة، إلى جانب الضربات العسكرية المباشرة على أراضيها، إلى تكثيف حسابات إيران بأن الحصول على سلاح نووي هو "أفضل طريق للحفاظ على النظام" وقد "يخلق ردعًا مثل كوريا الشمالية"[35].
على كل حال فإن قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية في نهاية المطاف لم يتم القضاء عليها، بل تم إعاقتها مؤقتًا فقط، وهذا يشير إلى أن الهدف الاستراتيجي للضربات كان في المقام الأول كسب الوقت وفرض التكاليف، بدلاً من وقف البرنامج بشكل نهائي.[36]
عززت الحرب القناعة الداخلية لإيران بأن الأسلحة النووية ليست مجرد ورقة مساومة للمفاوضات أو مصدرًا للمكانة الدولية، بل هي الضامن المطلق والضروري لبقاء النظام في بيئة دولية وإقليمية معادية بشكل متزايد، وهذا التحول الجوهري يرفع البرنامج النووي من مجرد أصل استراتيجي إلى ضرورة وجودية، مما يجعل أي محاولات مستقبلية لنزع السلاح النووي أكثر صعوبة بكثير ويتطلب إعادة تقييم للرافعة الدبلوماسية. إن الضعف المتصور والإذلال العسكري الذي تعرضت له (وربما الشعور بالهزيمة في دول وكيانات محور المقاومة)، إلى جانب الدمار الكبير في برامجها النووية والباليستية، قد يدفع على الأرجح المتشددين داخل النظام إلى توحيد السلطة ومضاعفة الموقف التصادمي، داخليًا وخارجيًا.[37]
المقياس |
الجدول الزمني قبل الضربة (اعتبارًا من مايو 2025) |
الجدول الزمني المقدر بعد الضربة |
ملاحظات |
الوقت اللازم لإنتاج 25 كجم من اليورانيوم المستخدم في الأسلحة (سلاح واحد) |
2-3 أيام في فوردو |
تأخير لعدة أشهر/ عامين، الاعتماد على منشآت أصغر/أقل كفاءة |
جرى تدمير المسار الرئيسي للتخصيب السريع [38] |
الوقت اللازم لإنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة لـ 9 أسلحة |
3 أسابيع في فوردو[39] |
تأخير لعدة أشهر/ عامين |
الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدت استمرارية الوصول للمنشآت |
الوقت اللازم لإنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة لـ 11-22 سلاحًا |
1-5 أشهر من فوردو/نطنز |
تأخير لعدة أشهر/ سنوات |
يتطلب إعادة بناء كاملة للمنشآت |
جدول 2: جداول زمنية لقدرة إيران على صناعة القنبلة النووية (قبل وبعد الضربات) |
ثانياً: تأثير الحرب على علاقات إيران المتطورة مع دول الخليج
تبنّت دول مجلس التعاون الخليجي موقفًا متوازنًا تجاه الحرب الإسرائيلية والضربات الأمريكية على إيران، مشددة على ضرورة ضبط النفس واللجوء للحلول الدبلوماسية. وقد أدانت بشدة "الاعتداءات الإسرائيلية"، واعتبرتها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، كما عبّرت عن قلقها من التداعيات الاقتصادية والأمنية المحتملة، لا سيما تأثير التصعيد على أسعار النفط وسلاسل الإمداد، ويعكس هذا الموقف حرص دول المجلس على حماية استقرارها الداخلي وتجنّب الانجرار نحو مواجهة مفتوحة قد تعصف بأمن المنطقة بأسرها.
ولتجنب المواجهة المفتوحة شدد قادة الخليج على أنهم لن يسمحوا للولايات المتحدة باستخدام منشآتهم العسكرية لأي هجوم، كما كان هناك مخاوف في المنطقة من أي استهداف للمفاعل النووي الإيراني في بوشهر، خشية حدوث كارثة بيئية مدمرة تؤثر على إمدادات المياه المحلاة في دول الخليج[40].
يأتي هذا الموقف الخليجي/الإيراني مع تحول دول الخليج الملحوظ نحو المشاركة الثنائية والدبلوماسية مع طهران، ولم يكن تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، مجرد تعديل تكتيكي لأزمة محددة، بل هو إعادة تقييم استراتيجي نحو سياسة خارجية أكثر براغماتية ومتعددة الأبعاد، حيث تسعى دول الخليج جاهدةً إلى حماية نفسها من أسوأ النتائج، ومن خلال تعزيز قنوات التواصل المباشر مع إيران، تدرك دول مجلس التعاون أن طموحاتها في التنمية الاقتصادية والاستقرار تتعارض جوهريًا مع استمرار التوتر الإقليمي، كما تتطلب الشراكات في التكنولوجيا والطاقة، التي أبرمت خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج في مايو/أيار، استقرارًا إقليميًا، وقد أدت الحرب إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين في الخليج[41].
يُشير هذا التطور إلى توجه نحو شكل من أشكال التعددية الإقليمية، حيث تُعزز دول الخليج، مع استمرارها في التعاون مع الولايات المتحدة، نفوذها بشكل متزايد، وتُسخّر مكانتها الدبلوماسية الفريدة لإدارة الأمن الإقليمي، يُقلل هذا النهج من استعدادها مستقبلاً لأن تكون منطلقًا لخطوات أحادية الجانب من الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران، مُعطيةً الأولوية لاستقرارها وازدهارها الاقتصادي.
لكن قصف قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر يعتبر تحولاً كبيراً يبين المخاطر التي ما تزال محتملة من إيران، وتعيد تشكيل تفاعلات العواصم الخليجية مع الضفة الأخرى، لذلك فإن هذه الحادثة، إذا ما نظرنا إليها جنبًا إلى جنب مع "الشكوك المتزايدة حول التزامات الولايات المتحدة" القائمة مسبقاً والفوضى الملحوظة في استراتيجية إسرائيل والولايات المتحدة أثناء الحرب[42] تشير إلى اتجاه أعمق وأكثر جوهرية: تآكل الاعتماد التقليدي لدول الخليج على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني الأساسي، إن لم يكن الوحيد. وستزيد دول الخليج من توزيع شراكتها وقدراتها التسليحية من أقطاب أخرى مثل روسيا والصين وهما حليفان متصوران لإيران.
البلد |
رد الفعل الرسمي على هجوم العديد |
الموقف من الشراكة الأمنية الأمريكية |
النهج تجاه العلاقات مع إيران |
الدور في خفض التصعيد/الوساطة |
قطر |
"دان بشدة" باعتباره "انتهاكًا صارخًا للسيادة"؛ مع الاحتفاظ بالحق في الرد. |
حليف رئيسي خارج حلف شمال الأطلسي؛ يستضيف قوات أمريكية؛ يستثمر في قاعدة العديد؛ اشترى تكنولوجيا مضادة للطائرات بدون طيار. |
أكدت على "العلاقات الممتازة والعميقة" رغم الهجوم. |
ساعدت في التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران؛ نشط في الدبلوماسية الإقليمية. |
المملكة العربية السعودية |
دانت "بأشد العبارات" باعتباره "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي". وقالت إن كل إمكانياتها جاهزة لدعم قطر |
أعربت عن "قلقها العميق" إزاء الغارات الجوية الأميركية، وسعت في السابق إلى توثيق العلاقات وضمانات الدفاع. |
تعطي الأولوية لـ "الاستقرار من خلال الدبلوماسية"؛ تطبيع العلاقات مع إيران في عام 2023. |
تدعو إلى الحوار وتهدئة الأوضاع. |
الإمارات العربية المتحدة |
دانت "بأشد العبارات" استهداف القاعدة. |
سعت في السابق إلى توثيق العلاقات والحصول على ضمانات دفاعية من الولايات المتحدة. |
يعطي الأولوية "للتعاون الثنائي والدبلوماسية" مع طهران. |
تتجه نحو إدارة التوترات بنفسها. |
الكويت |
أعرب عن "إدانته واستنكاره الشديدين" و"دعمه الكامل" لقطر. |
يتوافق عمومًا مع شركاء دول مجلس التعاون الخليجي. |
دانت الهجمات الإسرائيلية، لكنها تتوافق عمومًا مع شركاء دول مجلس التعاون الخليجي. |
تدعو إلى ضبط النفس والحوار والحكمة. |
عُمان |
وصفت الهجوم بأنه "انتهاك للسيادة"، لكنها ألقت باللوم على إسرائيل في إثارة التوترات. |
تتوافق عمومًا مع شركاء دول مجلس التعاون الخليجي. |
استنكرت الهجوم، وحددت إسرائيل باعتبارها السبب الرئيسي للتوتر. |
وسيط هادئ، دعت إلى ضبط النفس والحوار والحكمة. |
البحرين |
أكدت البحرين "دعمها الكامل لدولة قطر". |
مقر الاسطول الخامس الأمريكي، |
استنكرت الهجوم الإسرائيلي على إيران، وتتفق مع دول مجلس التعاون. |
تدعو إلى ضبط النفس والحوار والحكمة. |
الجدول 3: ردود الفعل الرئيسية والمواقف الدبلوماسية لدول الخليج في الهجوم على قاعدة العديد في قطر |
- الدبلوماسية الإقليمية.. المسارات المستقبلية للعلاقات الإيرانية الخليجية
على الرغم من أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة تُثير قلقًا بالغًا، إلا أنها سلّطت الضوء، دون قصد، على حقيقة جوهرية: التداخل الأمني في الإقليم، وهذا ما يجعل التفاهم بين دول الخليج وإيران قد يجلب الاستقرار الإقليمي، وهذه المصلحة المشتركة يمكن أن تُمكّنها من صياغة مستقبل منطقة عانت طويلًا من الصراع والتدخل الخارجي، لذلك لم يكن النقاش الدائر حول نظام أمني إقليمي شامل، يشمل منطقة البحر الأحمر الحيوية، ويُعطي الأولوية للحوار على الصراع المسلح أو التدخل الأجنبي، أكثر إلحاحًا من الوقت الحالي، ويُؤكد وقف إطلاق النار الهش، الذي يُمثل دليلًا على هشاشة التوازن، على ضرورة تضافر الجهود الدبلوماسية.
تتمتع دول الخليج الآن بمكانة دولية مهمة إلي جانب موقعها الاستراتيجي، وهذا سيُمكنها من لعب دور محوري في استقرار المنطقة.
يشير نهج دول الخليج إلى إجماع متنامي، حول عدم جدوى الحلول العسكرية، التي وإن بدت أحيانًا مناسبة، إلا أنها في نهاية المطاف مؤقتة ومزعزعة للاستقرار.
تعتقد دول الخليج أن الاستقرار المستدام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تبني الحوار، وتعزيز التفاهم المتبادل، ومعالجة نقاط الضعف الداخلية في المنطقة، ويعكس هذا التركيز على الدبلوماسية وإيجاد رؤية جديدة أكثر براغماتية لمستقبل الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فقد تعقد هذا المسار المتفائل بشكل كبير بسبب الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الجوية في قطر. ويمثل هذا العمل تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق في العلاقات الخليجية الإيرانية.[43] وهو أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى علاقات قطر الجيدة تقليديًا مع إيران، وعدم استخدام القواعد الأمريكية في الخليج في أي أعمال هجومية ضد إيران.
في الواقع، أدانت العديد من الدول العربية، بما فيها دول الخليج، الحرب الإسرائيلية علنًا، مظهرةً درجة من التضامن مع إيران.
يُعد الهجوم على العديد بمثابة "جرس إنذار" صارخ للمنطقة، فهو يتجاوز التقاليد الراسخة للمشاركة الإقليمية والاحترام المتبادل، ويدفع حدود السلوك المقبول إلى أقصى حد.
ومن المتوقع أن يُحفّز هذا التطور ظهور ترتيبات أمنية وسياسية إقليمية جديدة، تهدف تحديدًا إلى توفير حماية أكبر لدول الخليج. ولا شك أن هذه الترتيبات الجديدة ستكون عنصرًا هامًا وجديدًا في معادلات الديناميكيات الإقليمية المستقبلية، والأهم من ذلك، أن هذا لا يعني بالضرورة الاعتماد حصريًا على الولايات المتحدة أو القوى الغربية للحماية، إذ تسعى دول المنطقة بشكل متزايد إلى تنويع شراكاتها الأمنية، سعيًا إلى نهج أكثر توازنًا وتعددية الجوانب في دفاعها.
يتوقف مسار العلاقات الإيرانية الخليجية، بل والدبلوماسية الإقليمية الأوسع، على عدة عوامل حاسمة: أولها وأهمها ضرورة الحوار المستدام، ويجب أن تظل قنوات التواصل، مهما كانت متوترة، مفتوحة، هذا لا يعني فقط إجراء مناقشات ثنائية بين إيران ودول الخليج كلا على حدة، بل يشمل أيضًا إنشاء منتديات متعددة الأطراف تتيح لجميع الأطراف الإقليمية، بما فيها الدول المطلة على البحر الأحمر، الانخراط في حوارات صريحة وبناءة، وينبغي أن تهدف هذه الحوارات إلى بناء الثقة، وتحديد مجالات الاهتمام المشترك، وتطوير آليات لحل النزاعات، والذي يضمن معها وقف ماكينة التهديد الحوثية على دول الخليج وتحقيق الاستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية بما يحقق استعادة مؤسسات الدولة واحتكار الدولة للسلاح غير التقليدي، ومثل ذلك إنهاء التهديدات القادمة للخليج من الميلشيات الموالية لإيران في العراق .
- فرصة الخليج
إن ضعف إيران وتراجع نفوذها المحتمل في المنطقة- ورغم أنه قد يُنظر إليه على أنه مكسب لدول الخليج العربي من جهة تخفيف التهديدات المباشرة من وكلائها- إلا أنه يفتح الباب أمام تحدٍ استراتيجي جديد يتمثل في صعود قوة إقليمية أخرى: إسرائيل. فمع تفوقها التكنولوجي والعسكري وقدراتها النووية التي لا تخضع للإشراف الدولي، قد تسعى إسرائيل لملء الفراغ، ما يضع دول الخليج في موقف صعب.
على الرغم من أن بعض دول الخليج قد طبعت علاقاتها مع إسرائيل، إلا أن قبول هيمنة إسرائيلية كاملة على المشهد الإقليمي هو أمر بعيد عن القبول لدى دول الخليج التي تسعى للحفاظ على استقلاليتها وتعزيز دورها الخاص، وليس مجرد استبدال نفوذ بنفوذ آخر، وحذر صناع القرار الخليجيّون من أنه لا يُمكن السماح لإسرائيل بأن تصبح المصدر التالي لعدم الاستقرار[44].
يبرز هنا تساؤل حاسم: هل ضعف إيران يُفيد حقًا طموحات الخليج، أم أن حالة الصراع بين طهران وتل أبيب هي الأكثر فائدة؟
صحيح قد يكون استمرار هذا التنافس المحتدم، الذي يبقي القوتين تحت السيطرة في صراع أشبه بـ "المجموع الصفري"، هو ما يمنح دول الخليج مساحة أكبر للمناورة والصعود كقوة إقليمية ذات ثقل، لكن هناك مساحة من المناورة لفرض قوة جديدة في المنطقة تعمل على إضعاف القوتين الإسرائيلية والإيرانية، وهو ما يتيح للخليج فرصة لتطوير علاقاته مع مختلف الأطراف، مع التركيز على أولوياته التنموية والاقتصادية بعيدًا عن الاستقطاب الحاد، فدول الخليج فعلا الآن لديها فرصة نادرة لتعزيز ريادتها الإقليمية.
مع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية والانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل رغم زيارة ترامب للمنطقة قبل بدء الهجمات، يتزايد التشكيك الخليجي في النموذج التقليدي للأمن الإقليمي، الذي يعتمد بشكل كبير على القوى الخارجية كضامنة للاستقرار، رغم أن هجوم العديد يُعدّ انتكاسة، إلا أنه قد يُسرّع، على نحوٍ متناقض، من توجه المنطقة نحو الاعتماد على الذات في مجال الأمن.
تُدرك دول الخليج محدودية الإطار الأمني المُوجّه خارجيًا بحتًا، وتستكشف سبل تعزيز قدراتها الدفاعية وتنويع شراكاتها الاستراتيجية، قد يشمل ذلك تعزيز الصناعات الدفاعية الداخلية، وتعزيز التعاون العسكري فيما بينها، والانخراط مع مجموعة أوسع من القوى العالمية، بما في ذلك قوى من آسيا وأوروبا، لضمان تلبية مصالحها الأمنية[45].
لا يعني هذا التحول بالضرورة فك الارتباط التام بالتحالفات القائمة، يتطلب ذلك إعادة التوازن والتنويع. ويتطلب ذلك التوجه نحو هيكل أمني إقليمي أكثر دقةً وتعددًا للأقطاب، حيث تلعب الجهات الفاعلة الإقليمية دورًا أكثر بروزًا في تشكيل مصائرها. لتحقيق ذلك يفترض بدول المنطقة إعادة تقييم جذري لتصورات التهديدات، وتطوير فهم مشترك لتحديات الأمن الإقليمي، وخلال الحرب الإسرائيلية-الإيرانية كانت الرسالة الموجهة من دول الخليج إلى الولايات المتحدة تزداد وضوحًا: دعم الجهود الدبلوماسية الإقليمية، وضبط النفس عند تقديم شيك على بياض للحلفاء على حساب الأمن الإقليمي، وتجنب الإجراءات التي قد تُصعّد التوترات دون قصد. ووصلت دول مجلس التعاون إلى حقيقة أنه ينبغي أن ينصبّ التركيز على تمكين الجهات الفاعلة الإقليمية من تولي مسؤولية أمنها، بدلًا من إدامة حلقة التبعية.
مع ذلك لا يزال البرنامج النووي الإيراني نقطة خلاف محورية وعائقًا كبيرًا أمام الاستقرار الإقليمي. يجب على أي مسار مستقبلي للعلاقات الإيرانية الخليجية والدبلوماسية الإقليمية أن يتناول هذه القضية بشكل شامل.
موقف دول الخليج، الذي قد يحث الولايات المتحدة على تجنب الضغط على إيران، قد يؤدي إلى انهيار تام للمفاوضات، وربما سيناريو انتشار نووي أكثر خطورة[46].
يجب أن يتضمن الحل القابل للتطبيق مزيجًا من الرقابة الدولية الصارمة، والشفافية من جانب إيران، وضمانات أمنية لجميع دول المنطقة، وينبغي أن يكون الهدف هو التوصل إلى اتفاق قابل للتحقق يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.
الخلاصة قد تكون هذه المرحلة بين إيران ودول مجلس التعاون إما فجر جديد أو عاصفة متواصلة، وقرار ذلك لا يخضع لجهود دول الخليج وحدها، بل أيضاً للسلوك الإيراني والدبلوماسية الأمريكية وعدم الانضباط الإسرائيلي؛ خلال الأشهر القادمة.
ثالثاً: محور المقاومة وإعادة التقييم
لطالما شكّل "محور المقاومة"، وهو شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية المدعومة من إيران والممتدة عبر الشرق الأوسط، حجر الزاوية في نفوذ طهران الإقليمي واستراتيجية الردع لديها. وقد أثّرت الضربات الأخيرة بشكل كبير على تماسكه وقدراته العملياتية. وكشفت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة عن ضعف في تنسيقه وحدود قوته.
في ظل تصاعد التوترات والتعبئة العسكرية غير المسبوقة، يُطرح السؤال المحوري: كيف ستؤثر هذه الضربات على بقاء المحور وقدرته على الاستمرار كقوة فاعلة في المنطقة؟ تشير الإجابة، بشكل متزايد، إلى تراجع القدرة على العمل الهجومي المنسق، وإعادة تقييم استراتيجي داخل طهران، وتركيز أكبر لأعضائه على المصالح المحلية.
- تراجع المحور: إعادة تقييم استراتيجي في طهران
حتى قبل التصعيد الأخير للحرب الإسرائيلية، كان هناك نقاش حاد بين القادة الإيرانيين حول الجدوى الحقيقية لمحور المقاومة وفعاليته. هذا الخطاب الداخلي، الذي كان محصورًا في الدوائر الاستراتيجية، ازداد حدةً بشكل كبير مع حدثين محوريين: سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٤، والضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله اللبناني.
ضربت هذه التطورات صميم البنية الجغرافية والعملياتية للمحور، مما أجبر طهران على مواجهة حقائق مُقلقة بشأن استراتيجيتها الإقليمية الراسخة[47].
لعقود، دأبت إيران على تنمية هذه القوى بالوكالة - من حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا إلى مختلف الميليشيات في العراق والحوثيين في اليمن -[48] والاعتماد عليها بدقة كخط دفاع أمامي. صُممت هذه الاستراتيجية لتعويض نقاط الضعف الكامنة في الحرس الثوري في الردع العسكري التقليدي، مما يسمح لإيران باستعراض قوتها وردع خصومها دون مواجهة مباشرة.
شكلت هذه الميليشيات حلقةً من النار تحيط بأعداء مفترضين، مثل إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة، مما وفر لها عمقًا استراتيجيًا كبيرًا وقدراتٍ حربيةً غير متكافئة.
وكانت الفكرة أن أي هجوم على إيران سيُقابل بردٍّ واسع النطاق يحمي المصالح الإيرانية، إلا أن الصراع الأخير كشف بوضوح عن محدودية هذا النهج.
فشل المحور في تقديم استجابة واسعة عندما تعرضت إيران للهجوم، ما يشير إلى وجود انهيار عميق في التنسيق العملياتي والفعالية الاستراتيجية للمحور، مما يتحدى التصور القديم حول قوته وتأثيره، وهو ما يمكن اعتباره محور "غير نشط إلى حد كبير" أو مجرد "قشور من ذواتهم السابقة"، مما يضعف من قدرته على استقطاب الدعم أو فرض هيمنته الإقليمية[49].
بالمقابل يرى أعضاء المحور بما في ذلك الحوثيون وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية أن إيران لم تقدم الكثير عندما تعرضوا لهجمات مدمرة خلال 20 شهراً الماضية.
وكانت تكتيكات "الصبر الاستراتيجي" لإيران ومحور المقاومة سبباً في تعرضهم لهذه الانتكاسات؛ حيث استمرت طهران في كبح جماح تدخل حزب الله في الحرب حتى حدث الدمار الكبير الذي أصابه.
إن الالتزام الأيديولوجي المشترك، الذي كان في يوم من الأيام قوة توحيد قوية، يُختبر الآن من خلال الحقائق القاسية للحرب غير المتكافئة والإهمال الاستراتيجي المُتصور.
- نقاط الضعف الداخلية بالاعتماد على الوكلاء
كشفت الضربات الأخيرة عن خلل جوهري في تصميم عمليات المحور: اعتماده المفرط على الوكلاء كأداة رئيسية لاستعراض القوة وردع العدوان. في السابق تعرضت السعودية والإمارات العربية المتحدة لهجمات بالوكالة، معظمها من الحوثيين وبعض الفصائل في العراق، مما أتاح لإيران قدرًا من الإنكار والنفوذ غير المتكافئ. هذه الهجمات، على الرغم من كونها مُخربة ومدمرة، منعت إيران من الظهور كمتدخل مباشر، ومنحت القادة السياسيين القدرة على الإنكار[50].
ومع ذلك، حدثت نقطة تحول حاسمة مع طهران، باتخاذ قرار غير مسبوق بتوجيه صواريخها نحو دولة خليجية، بقصف قاعدة العديد الجوية في قطر.
مثّل هذا الفعل تصعيداً مذهلاً، بالنظر إلى العلاقات الجيدة المزعومة التي حافظت عليها إيران مع قطر، ورفض دول الخليج الصريح السماح باستخدام قواعدها في الحرب ضدها.
أظهرت هذه الضربة المباشرة أن استراتيجية المحور الراسخة لم تُراعِ بشكل كافٍ إمكانية توجيه ضربات مباشرة إلى قلب إيران، والأهم من ذلك، ضرورة النظام الإيراني الداخلية بالرد المباشر عند استهداف أراضيه أو مصالحه.
على الرغم من أن ضربة "العديد" كانت دليلًا قاطعًا على استعداد إيران للتصعيد، إلا أنها أشارت إلى خطأ استراتيجي كبير، إذ كشفت أن المحور لم يكن قوياَ بما يكفي لتحقيق أهدافه المنشودة خلال صراع مباشر شديد الشدة كما كان مُتصوّرا.
لقد أثبتت الآلية نفسها المصممة لحماية إيران من المواجهة المباشرة عدم كفايتها عندما وصل الصراع إلى عتبة إيران، ولا شك أن هذا سيدفع القادة الإيرانيين إلى إجراء إعادة تقييم استراتيجية شاملة وعاجلة لكامل هيكلهم العملياتي.
والسؤال الآن ليس مجرد كيفية تحسين قدرات الوكلاء؟ بل ما إذا كان نموذج الوكلاء بحد ذاته لا يزال قابلاً للتطبيق كضامن رئيسي لأمن إيران ونفوذها؟ حيث أصبحت حدود الحرب غير المباشرة، لا سيما ضد خصم راغب وقادر على الرد المباشر واضحة بشكل مؤلم لإيران، وهذا يُجبر إيران على التفكير في قدرات ردع تقليدية أكثر أو إعادة تقييم شامل لوضعها الإقليمي.
- تحول في الديناميكيات الإقليمية.. النفوذ المتزايد لدول الخليج
سلطت حرب 12 يوماً من الحرب الضوء على رغبة القوى الإقليمية بتوجيه دفة الحوار وتحقيق الاستقرار المستدام، وتؤكد الآن دول مجلس التعاون الخليجي نفوذها بقوة أكبر، وهي التي طالما علقت بين طموحات إيران الإقليمية والمصالح الاستراتيجية للقوى العالمية.
لتأكيد هذا النفوذ تتمتع هذه الدول بإمكانية وصول لا مثيل لها إلى صناع القرار الرئيسيين في واشنطن ولندن وعواصم عالمية أخرى، كما أن روابطها الاقتصادية المتينة مع كبرى الاقتصادات العالمية تمنحها وزنًا دبلوماسيًا كبيرًا، والأهم من ذلك، أنها تشترك في مصلحة عميقة في تهدئة التوترات الإقليمية وتجنب المزيد من الصراعات التي تهدد بشكل مباشر ازدهارها الاقتصادي واستقرارها الداخلي، وقد شكّلت ضربة العديد، على وجه الخصوص نهجا عن خطر الصراعات الإقليمية، حتى عندما تبدو غير متورطة.
سيدفع التقاء هذه العوامل دول مجلس التعاون الخليجي حتما نحو ترتيبات أمنية وسياسية جديدة، وستُصمّم هذه الترتيبات لوضع رادعات أقوى ضد العدوان الإقليمي وحماية مصالحها السيادية بشكل أقوى، وسيمثل هذا الموقف المتطور عنصرًا متزايد الأهمية في معادلات الترتيبات الإقليمية المتوقعة، ومن المرجح أن يُقلل بشكل كبير من قدرة كيانات المحور على المناورة أو التأثير على القرارات الإقليمية المستقبلية.
ووسط هذه الرؤية المستقبلية يتضح بشكل متزايد أن إيران نفسها ستخضع لضغوط حازمة من دول الخليج فيما يتعلق بأنشطة وكلائها داخل المحور.
من المرجح أن تُطالب دول الخليج، بعد أن عانت من العواقب المباشرة وغير المباشرة للحرب بالوكالة، طهران بمزيد من المساءلة وضبط النفس. سيتجلى ذلك في زيادة الضغوط الدبلوماسية، أو تقديم حوافز اقتصادية، أو حتى دعم ضمني لجهود المفاوضات النووية، مع إبقاء الردع كسلاح أخير في حال عاد الطموح الإيراني في استهداف المنطقة كما كان قبل أكتوبر 2023.
ونتيجة لذلك، قد jnyl الأطراف المتضررة، بما فيها إيران ووكلاؤها، على تبني نهج أكثر واقعية ودبلوماسية في علاقاتها الإقليمية, وسيُحرك هذا التحول إجماع متنامٍ على أن الاستقرار المستدام في الشرق الأوسط يتطلب تبني الحوار، وتعزيز الاحترام المتبادل للسيادة، والأهم من ذلك، معالجة نقاط الضعف الداخلية التي تُغذي عدم الاستقرار الإقليمي ومنها الميلشيات المنفلتة في اليمن والعراق. يمنح ذلك دول الخليج دورًا محوريًا واستباقيًا في تشكيل المشهد الأمني.
- التركيز المحلي: التراجع إلى الحواضن الشعبية
كان المفهوم الأولي لـ "محور المقاومة" هو "حلقة نار" موحدة ورادعة صُممت للعمل معاً لمواجهة أي هجوم أمريكي/إسرائيلي. وكان من المتوقع أنه في أوقات الأزمات، سينشط كل مكون من مكونات المحور، مما يخلق تحديًا متعدد الجبهات من شأنه أن يسحق الخصم ويحمي إيران ، فيما عُرف بوحدة الجبهات. إلا أن الحرب الأخيرة كشفت عن تحول جذري في هذه الديناميكية، حيث تراجعت طهران وأكثر شركائها موثوقية وتأثيرًا لتعزيز مصادر قوتهم الأساسية بعيداً عن الاعتماد على المحور: الترميم والتحشيد الداخلي، والمال، والأسلحة المهربة عبر الشبكات غير المشروعة. بدلاً من رد إقليمي منسق وتصعيدي.
تتضمن إعادة التوازن الاستراتيجي من جانب إيران تركيزاً أكبر على تعزيز قدراتها المحلية، بما في ذلك المرونة الاقتصادية والأمن الداخلي والقوة العسكرية المباشرة، بدلًا من الاعتماد فقط على استعراض القوة عبر وكلائها.
بالمقابل أصبحت مكونات المحور - حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين - تُعطي الأولوية الآن بشكل كبير لبقائها الفوري ومصالحها المحلية على رد موحد وتصعيدي نيابة عن إيران, وقد حلت محل فكرة "حلقة النار" المنسقة واقع أكثر تجزئة، حيث تحسب كل مجموعة أفعالها بناءً على وضعها الهش ومخاوفها الداخلية الملحة, باستثناء الحوثيين الذين يستخدمون سياسة مزدوجة توازن بين التحالف مع إيران والحفاظ على مكاسبها المحلية والإقليمية لمشاركتها في الحرب فيما تقول إنه دعم لفلسطين[51].
يمر "محور المقاومة" بتحول عميق. في حين لا تزال الروابط الأيديولوجية والتنسيق الاستراتيجي مع إيران قائمة، فإن الحقائق العملياتية والتأثير الشديد للصراعات الأخيرة دفع أعضاءه الأساسيين نحو نهج أكثر محليةً وأنانيةً. استُبدلت الرؤية الكبرى لقوة ردع موحدة، جاهزة لإطلاق "حلقة نار" منسقة، بشبكة مجزئة، حيث يُركز كل كيان- في صراعه مع نقاط ضعفه وأولوياته الخاصة- بشكل أساسي على بقائه الفوري وتوطيد قواعد قوته الأساسية. يشير هذا التصدع الداخلي، إلى جانب الديناميكيات الإقليمية المتطورة وإعادة التقييم الاستراتيجي في طهران، إلى مستقبل سيكون فيه المحور، في حال نجاته، قوةً مختلفةً تمامًا وربما أقل فعاليةً في النسيج الجيوسياسي المعقد للشرق الأوسط. تواجه معها قدرته على العمل كأداة متماسكة وفعالة للنفوذ الإقليمي الإيراني تحديًا هائلًا وغير مسبوق.
الجماعة/الكيان |
الدور/القوة قبل الضربة |
تأثير الإضرابات/الحملات |
الوضع الحالي/التحول الاستراتيجي |
العلاقة مع إيران بعد الضربات |
حزب الله |
الحليف الأقوى لإيران، "رأس الحربة"، الاستثمار الإيراني الكبير، الرادع ضد الضربة الإسرائيلية.[52] |
ضعفت بشكل حرج؛ تدهورت ترسانتها/بنيتها التحتية؛ وقُتل معظم قادتها، وتعاني من اضطرابات استخباراتية. |
موقف دفاعي؛ التركيز على إعادة بناء القدرات؛ تجنب الانتقام الكبير أثناء الضربات على إيران.[53] |
يرى أن طهران لم تفعل الكثير لحمايته، وفضلت الحسابات الداخلية اللبنانية والإيرانية. |
الميليشيات العراقية |
التهديد المستمر للقوات الأميركية؛ حجر الزاوية في نفوذ طهران الإقليمي. |
أظهر "ضبطًا ملحوظًا للنفس" أثناء الصراع؛ وشدد على موقفه المتوافق مع النظام السياسي العراقي الذي هو جزء منه. |
إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية (قطاع النفط)؛ المخاوف من تأثير المشاركة في الحرب على وضعه الداخلي. التركيز على القوات الأميركية في العراق/سوريا.[54] |
القلق المشترك مع واشنطن بشأن تأثير الحرب على استقرار العراق؛ |
النظام السوري (السابق) |
محور السياسة الخارجية الإيرانية؛ ونقطة انطلاق حيوية للعمليات الإقليمية؛ و"الحلقة الذهبية" لسلسلة المقاومة.[55] |
سقط النظام بهجوم الثوار في أواخر عام 2024؛ بعد أشهر طويلة من الضربات الإسرائيلية على قدرته العسكرية. |
فقدت إيران أي نفوذ لها في سوريا في الوقت الحالي، ومعه تراجع محور المقاومة. |
القيادة الجديدة تسعى إلى "دولة طبيعية" وترفض التطرف والطموحات الإيرانية. |
الحوثيون |
وكيل إيران يسيطر على أجزاء من اليمن ويهاجم الملاحة الدولية وإسرائيل. |
على الرغم من تضرر البنية التحتية للصواريخ والمسيّرات بسبب الغارات الأمريكية إلا أن الحركة ما تزال قادرة على احداث تأثير كبير في البحر الأحمر. |
"سياسة الحوثيين أولاً"؛ تحقيق التوازن بين التحالف مع إيران وتجنب التوسع المفرط؛ وتنسيق الهجمات مع إيران، ويحرص على استمرار الهجمات الرمزية على إسرائيل. |
حليف وثيق، ينسق الهجمات؛ توازن دقيق بسبب نقاط ضعف إيران؛ الوحيد المتبقي في المحور ويملك أجندات إقليمية. ولذلك من غير المرجح أن يتم التضحية به من قبل إيران كأداة للمساومة.[56] |
الجدول 4: الوضع والتحولات الاستراتيجية للأعضاء الرئيسيين لمحور المقاومة |
رابعاً: العواقب الجيوسياسية طويلة الأمد والخيارات الاستراتيجية
أدت الحرب الإسرائيلية الأمريكية على إيران إلى تحول جذري في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، محطمةً العديد من "الخطوط الحمراء" وموازين الردع التي سادت لعقود.
لقد كشفت هذه المواجهة المباشرة عن ضعف كبير في قدرة إيران على ردع خصومها وتآكل "وحدة الجبهات" ضمن محور المقاومة. فبينما يقاتل حزب الله من أجل البقاء ويواجه الحوثيون والميليشيات الشيعية في العراق ضغوطًا متزايدة، تعود هذه الفصائل إلى التركيز على تعزيز نفوذها وقدراتها على الصعيد المحلي.
مع ذلك فإن المنطقة الآن تدخل فترة من عدم اليقين الاستراتيجي في ظل الاستقرار الهش واحتمالات تجدد التصعيد مع تبادل التهديدات وعدم وجود اتفاق لإنهاء الحرب، فإذا لم تلتزم إيران بالأوامر الأمريكية-الإسرائيلية بتقديم تنازلات كبيرة وتغير مسارها، فإنها ستواجه، عاجلاً أم آجلاً، المزيد من الهجمات الإسرائيلية أو حتى الأمريكية، لذلك تبقى المحادثات لا غنى عنها لإنهاء الحرب الحالية وربما وضع الصراع الأوسع على مسار تخفيف التصعيد.
- التحركات الدبلوماسية الإيرانية والبرنامج النووي
تؤكد التقارير الدبلوماسية احتمالية عودة الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات بشأن الملف النووي في المستقبل القريب، على الرغم من التوترات العسكرية المتفاقمة.
وتؤكد طهران أن قدراتها الدفاعية ليست محل مساومة، وتشدد على عدم التنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها بإشراف الأمم المتحدة، معتبرة ذلك حقًا سياديًا غير قابل للتفاوض.
في أعقاب الضربات، أقر مجلس صيانة الدستور الإيراني مشروع قانون يفرض تعليقًا على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويمنع دخول المفتشين إلى المنشآت النووية. وينص القانون على ضرورة اعتراف الوكالة بحق إيران في التخصيب كشرط مسبق لإحياء التعاون. وبالفعل أعلن الرئيس الإيراني منع دخول المفتشين، ودخلت إيران مرحلة "الغموض النووي" وهو ما يزيد تعقيد الأمور، وهو "خيار استراتيجي" متعمد لتسليح الغموض.
فمن خلال إنشاء صندوق أسود حول برنامجها النووي، تسعى إيران لاستخدام حالة عدم اليقين بشأن مدى تطوير القنبلة النووية كوسيلة لانتزاع تنازلات من عالم قلق بشأن برنامج نووي غير مراقب.
يمكن الوصول دبلوماسياً إلى حلول، ويعد السيناريو الأكثر تفاؤلاً: تأثر إيران بالإذلال العسكري الذي حدث والموافقة على اتفاق نووي شامل، يتضمن التخلي عن اليورانيوم عالي التخصيب، وقبول عمليات تفتيش مكثفة، وربما تخصيب اليورانيوم خارج الحدود الإقليمية تحت إشراف دولي. مقابل رفع العقوبات والانتعاش الاقتصادي.
السيناريو الأكثر احتمالاً وهو مرحلة من التخبط والذي يتضمن هدنة هشة، وتوتر إقليمي. بموجبها يوافق النظام الإيراني الضعيف على بعض المشاركة المحدودة والمتجددة مع المفتشين الدوليين واتفاق نووي مقيد، وذلك في المقام الأول لكسب الوقت وتخفيف الضغط الفوري.
ووسط صراع المتشددين والإصلاحيين، ستسعى إيران إلى إعادة بناء ترسانتها التقليدية وبرنامجها النووي، ولكن بوتيرة أبطأ بسبب استمرار العقوبات والتدقيق الدولي.
قد تصمد الهدنة إلى حد كبير، لكن التوترات الكامنة ستستمر، مع احتمال استمرار إسرائيل في شن ضربات مستهدفة الأصول الإيرانية أو وكلائها في لبنان وسوريا، مما يؤدي إلى اشتعال النيران من حين لآخر.
السيناريو الأكثر سوءاً، هو فشل الدبلوماسية وقرار القيادة الإيرانية بتسريع الطموحات النووية، مما قد يقلل من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو حتى الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، سيؤدي ذلك إلى مزيد من العزلة الدولية والعقوبات، مما يؤدي إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية والسخط الشعبي، وسيتعزز هذا السيناريو مع صعود المتشددين، مما يجعل تحقيق أي اختراقات دبلوماسية مستقبلية أكثر صعوبة.
ومع كل ذلك سيؤدي الأمر إلى تبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران، وستجد أمريكا نفسها منجذبة للصراع دعماً لإسرائيل. وهذا التوتر المطول سيؤدي إلى اضطرابات اقتصادية في المنطقة ، ما يجعل سقوط وتفكك النظام الإيراني أمر وارد وبقوة، أو ستستغل إيران الأحداث لإعادة بناء محور المقاومة لتحقيق الضغط الإقليمي الذي تريده؛ ما يزداد من خطر الصراع الإقليمي الواسع النطاق بشكل كبير، وربما تطور إيران القنبلة النووية ما سيدفع المنطقة لسباق تسلح.
- موسم التحرك الخليجي:
من المرجح أن تؤدي عودة الهجمات والركود الدبلوماسي إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي، مما يهدد الثقة الاستثمارية ويتسبب في تراجع مؤشرات الأسواق المالية في الخليج، مع خسائر بالذات لقطاعات حيوية مثل الطيران والطاقة والسياحة بشكل كبير.
وإذا ما حدث اتفاق شامل للقضية النووية الإيرانية، فقد تتاح فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين إيران ودول الخليج، بشرط التزام طهران بمبادئ عدم التدخل، وتفكيك أذرعها في المنطقة، وتفعيل مسارات التعاون المشترك.
الجغرافيا المشتركة تمنح الطرفين فرصاً كبيرة للتكامل الاقتصادي والتجاري، لكن إيران تعاملت مع دول الخليج كأعداء واقعيين وليس مفترضين كما تعمل مع إسرائيل قبل حرب اكتوبر.
حققت قطر والسعودية والإمارات صفقات كبيرة مع الولايات المتحدة، تجاوزت تريليوني دولار، خلال زيارة ترامب للمنطقة، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية التكنولوجية المتطورة[57]، وهذه الصفقة الكبيرة تحتاج إلى استقرار في المنطقة، وإيران صاحبة قرار في الصفقة، إن كانت تريد تعاون اقتصادي وتكامل مع دول الخليج أم تعود للفوضى والحرب فيتم حسم تهديداتها بضربات عسكرية أخرى.
لذلك ستُشكل ثلاثة ضرورات رئيسية للتحرك الخليجي القادم: تأمين مصالحهم التجارية، وإعادة تأكيد الأمن الجماعي للخليج، والحفاظ على دورهم كمركز ربط بين الشرق والغرب للتجارة العالمية المستقبلية والتقنيات الناشئة[58]. وفي خضم ذلك ستحتاج دول الخليج لرؤية أمنية تتجاوز حدودها البرية لتشمل حماية مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وطرقها التجارية البحرية، وهذا يتطلب دمج الردع العسكري التقليدي مع المرونة الاقتصادية، والأمن السيبراني، ومبادرات التماسك الاجتماعي لمواجهة التهديدات المتعددة الأبعاد[59].
في الوقت ذاته أكدت الحرب تحولًا في ميزان القوى الإقليمي بعيدًا عن إيران ونحو إسرائيل الأكثر استعدادًا لتطبيق القوة العسكرية على نطاق واسع مع إمكانية كبيرة لإفلاتها من العقاب الدولي. في حين يرحب قادة الخليج وغيرهم من الزعماء العرب بضعف النفوذ الإقليمي لإيران، فإنهم يخشون في الوقت نفسه من الهيمنة الإسرائيلية .
- محور إيران وروسيا والصين
شكل الصراع الأخير اختبارًا حاسمًا للتضامن المُتصوّر بين محور الشرق (إيران وروسيا والصين)، وكان هناك توقع بأن تُقدم روسيا والصين دعمًا كبيرًا لإيران، لا سيما في ظل شراكتهما الاستراتيجية[60].
تعززت الروابط بين إيران وروسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، حيث دعمت طهران موسكو بطائرات "شاهد" المسيّرة وتقنيات عسكرية مصاحبة، وجاء توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية في يناير/كانون الثاني 2025 كمؤشر على تعميق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.وتلعب الصين دوراً في الاقتصاد الإيراني وتستورد نحو 90٪ من صادرات النفط الإيرانية، لكن أظهرت بكين وموسكو دعمًا "بلاغيًا" فقط لطهران خلال الحرب، ولم تتدخلا بشكل ملموس. ويبدو أن الرغبة الصينية في أن تكون وسيط إقليمي، والانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا وحاجتها الملحة للأسلحة3أدت إلى الحد بشكل واضح من قدرتها على مساعدة طهران، مما أدى إلى تعبيرات عن "خيبة الأمل" الإيرانية[61].
رغم دعوات بكين وموسكو إلى التهدئة واستقبال مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى وإدانتهما للضربات الأميركية، إلا أن سلوكهما خلال الحرب يعكس حدود الدعم الفعلي الذي تتلقاه طهران من حلفائها الدوليين.
الطبيعة "الهشة والسطحية" لهذا المحور يعني أنه في أي مواجهة عسكرية مباشرة، تُعطي كل دولة الأولوية لضروراتها الاستراتيجية والاقتصادية المباشرة على حساب طلب المساعدة العسكرية المباشرة من حليف.
وهذا له تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية الإيرانية على المدى الطويل، مما قد يُجبرها على الاعتماد بشكل أكبر على قدراتها الذاتية ودبلوماسيتها الإقليمية بدلاً من توقع مساعدة عسكرية خارجية كبيرة في الصراعات المستقبلية.
مع ذلك فإن تزايد النفوذ الآسيوي في معادلة القوة الإقليمية يمثل بديلاً استراتيجياً، فبينما تظل الولايات المتحدة لاعباً أمنياً رئيسياً، فإن من الملاحظ تزايد انخراط الصين وروسيا في المنطقة.
إن نهج الصين البراغماتي القائم على "الربح المشترك" وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة مع دول الخليج يضعها كشريك اقتصادي ودبلوماسي مهم، يختلف عن النهج الأمريكي الذي يركز على الأمن أولاً، كما أن العلاقات التاريخية لروسيا مع إيران ودورها في الاتفاق النووي يمنحها نفوذاً، ربما كوسيط أو كقوة موازنة للنفوذ الغربي، وبالتالي، قد تسرع الحرب من وتيرة التحول نحو نظام إقليمي متعدد الأقطاب، حيث تنوع دول الخليج تحالفاتها وشراكاتها الأمنية بعيداً عن القوى الغربية التقليدية، منخرطة بشكل أعمق مع القوى الآسيوية الصاعدة لاكتساب مرونة استراتيجية وتقليل الاعتماد المفرط على أي طرف واحد، وهو ما يخفف المعضلة الأمنية لدى إيران ويسهم في خلق نظام أمن إقليمي يضمن التهدئة والازدهار الاقتصادي.
- نهاية "وحدة الجبهات"
أكد الصراع الأخير تحولًا في ميزان القوى الإقليمي بعيدًا عن إيران، وأقر المسؤولون الإيرانيون بانهيار استراتيجية "وحدة الجبهات" الإقليمية، والتي كانت تعتبر أي هجوم على أحد أعضاء المحور هجومًا على الجميع، مع تنسيق الرد.
هذا التفكك ترك إيران في "عزلة في الحرب"، وسيتأثر مصير الجماعات الوكيلة الإيرانية بشكل متفاوت بعد حرب الـ12 يوماً، تبعاً لمدى تأثير الحرب على قدرات إيران ودعمها.
ومع الضربات الكبيرة التي تعرض لها معظم المحور خاصة سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الذي ارتكزت عليه السياسة الخارجية الإيرانية واستراتيجية "الدفاع الأمامي"، فسيكون من الملاحظ على المدى القصير استقلالية الوكلاء عن الدعم المباشر الإيراني، والبحث عن منافذ دعم وتزويد بالأسلحة منفصلة عن إيران، بما في ذلك بناء شبكات تهريب منفصلة.
ولعل الحوثيون أكثر النماذج قدرة على التكيف والمرونة حيث يمتلكون علاقات مع روسيا والصين، ووجود في القرن الأفريقي.
لذلك فإن مصير أدوات النفوذ الإيراني، من الجماعات الوكيلة إلى البرامج النووية والصاروخية، سيشهد تحولات، لكنه من غير المرجح أن يتلاشى بالكامل في فترة قصيرة. ستظل هذه الأدوات تشكل تحدياً أمنياً مستمراً، مما يتطلب من دول الخليج واليمن استراتيجية دفاعية شاملة تتجاوز الردع العسكري التقليدي.
خلاصة استراتيجية
تمثل "حرب الـ 12 يومًا" بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران نقطة تحول حاسمة في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، محملة بعواقب معقدة وبعيدة المدى على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
بالنظر إلى البرنامج النووي الإيراني، فبالرغم من الأضرار المادية التي لحقت بالبرنامج والتحديات التي تواجه إعادة بنائه، إلا أن قدرة إيران على المدى الطويل على السعي لامتلاك الأسلحة النووية لا تزال قائمة، وسيكون ذلك ممكناً إذا تم بالفعل نقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مواقع غير معلنة.
دخول إيران في "الغموض النووي" يمكن أن يدفعها للحصول على تنازلات من الغرب في المفاوضات المرتقبة، وربما يدفع نحو تصعيد جديد بتبادل المزيد من الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، وسط توتر إقليمي.
فيما يخص مرونة النظام في مواجهة الضغوط الداخلية، أظهر النظام الإيراني قدرًا من الصمود في وجه الضغوط العسكرية الخارجية، مستغلًا المشاعر القومية وروابطه العرقية المعقدة، ومع ذلك، تتوازن هذه المرونة مع تصاعد المعارضة الداخلية و"أزمة الولاء" داخل أجهزتها، كما أن التوازن الوطني يعطي أولوية للسيطرة الداخلية والتوسع العسكري على حساب الرعاية العامة والإغاثة الاقتصادية.
تعرض محور المقاومة لضعف كبير، حيث شهدت مكوناته الرئيسية: حزب الله، والنظام السوري السابق - تدهورًا أو تحييدًا كبيرين.
القوى المتبقية تعطي الأولوية بشكل متزايد للحفاظ على الذات والمصالح المحلية على الاستجابة الموحدة والمنسقة نيابة عن إيران، وهذا التشرذم يغير جذريًا قدرات إيران على استعراض قوتها الإقليمية ويقلل من احتمالية تصعيد هائل على جبهات متعددة في ما يعرف ب"وحدة الجبهات"، مع أنه قد يؤدي إلى أفعال محلية أكثر تقلبًا.
يوازن الحوثيون، على الرغم من استمرار نشاطهم، بين تحالفهم مع إيران وتجنب التوسع في الهجمات العسكرية.
كشف الصراع عن ديناميكيات القوة العظمى ومحدودية الدعم الروسي والصيني لإيران, على الرغم من المصالح الاستراتيجية المشتركة والعلاقات الاقتصادية، فإن غياب التدخل العسكري الملموس خلال الضربات المباشرة يشير إلى أن هذا التحالف الثلاثي، يعمل كشراكة مصلحة أكثر من كونه تحالفًا دفاعيًا مشتركًا قويًا.
أما عن التحولات الديناميكية الإقليمية، فقد كان الهجوم على قاعدة العديد الجوية بمثابة تذكير لدول الخليج بالتهديد المحتمل للحرب الإقليمية.
هذا الحادث، إلى جانب الشكوك القائمة حول موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، أدى إلى تسريع تحولها الاستراتيجي نحو دبلوماسية أكثر براغماتية واستقلالية.
يشير هذا الاتجاه إلى رغبة متزايدة بين دول الخليج في تحييد نفسها عن الصراعات المستقبلية وتشكيل هيكلها الأمني الإقليمي الخاص بها بشكل نشط.
مراجع:
[1] Regime change emerges as unstated goal of Israel's war in Iran | Axios, accessed on June 26, 202
https://www.axios.com/2025/06/17/iran-regime-change-israel-war-trump
[2] Mission accomplished for Netanyahu? | The Economist , accessed on June 26, 2025, https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/06/22/mission-accomplished-for-netanyahu
[3] Trump floats regime change in Iran | Axios, accessed on June 26, 2025, https://www.axios.com/2025/06/22/trump-iran-regime-change
[4] Assessing the Effect of the U.S. Strikes on Iran | Council on Foreign Relations, accessed on June 28, 2025, https://www.cfr.org/article/assessing-effect-us-strikes-iran
[5] Trump's big gamble in Iran is a risky moment after his pledges to keep US out of 'stupid wars', accessed on June 28, 2025, https://apnews.com/article/trump-iran-nuclear-fordo-ef530114e5297884b1c3b76a04a3b1de
[6] CIA says it has evidence Iran’s nuclear program was ‘severely damaged’ as assessments of US strikes’ impact continue | CNN, accessed on June 28, 2025, https://edition.cnn.com/2025/06/25/politics/cia-iran-nuclear-strikes-assessments
[7] The Latest: US claims strikes on Iran's nuclear sites caused severe damage but full impact unclear, accessed on June 28, 2025, https://apnews.com/article/israel-palestinians-iran-war-latest-06-22-2025-7ab46578cb56feecc16f4e4940a46e0a
[8] Iran Update, June 26, 2025 | Institute for the Study of War, accessed on June 28, 2025, https://www.understandingwar.org/backgrounder/iran-update-june-26-2025
[9] The Latest: US claims strikes on Iran's nuclear sites caused severe damage but full impact unclear, accessed on June 28, 2025, https://apnews.com/article/israel-palestinians-iran-war-latest-06-22-2025-7ab46578cb56feecc16f4e4940a46e0a
[10] UN Has Lost Track of Iran’s Near Bomb Grade Uranium - Watchdog Chief Sounds Alarm | Bloomberg Podcasts, accessed on June 26, 2025 https://youtu.be/e2IkO5_qiqI
[11] Exclusive: Early US intel assessment suggests strikes on Iran did not destroy nuclear sites, sources say | CNN, accessed on June 26, 2025 https://edition.cnn.com/2025/06/24/politics/intel-assessment-us-strikes-iran-nuclear-sites
[12] The Most Significant Long-Term Consequence of the U.S. Strikes on Iran, accessed on June 28, 2025, https://carnegieendowment.org/emissary/2025/06/iran-strikes-us-impacts-iaea-nuclear-weapons-monitoring?lang=en
[13] Iran Update Special Report, June 18, 2025, Evening Edition | Institute for the Study of War, accessed on June 20, 2025, https://understandingwar.org/backgrounder/iran-update-special-report-june-18-2025-evening-edition
[14] Inside ‘Operation Narnia,’ the Daring Attack Israel Feared It Couldn’t Pull Off | WSJ, accessed on June 27, 2025, https://www.wsj.com/world/middle-east/israel-iran-attack-operation-narnia-a2c38ace?mod=hp_lead_pos7
[15] Iran Update, June 26, 2025 | Institute for the Study of War, accessed on June 28, 2025, https://www.understandingwar.org/backgrounder/iran-update-june-26-2025
[16] Iran’s Fordow Nuclear Site Likely Sealed Up Before B-2 Strikes |TWZ, accessed on June 26, 2025, https://www.twz.com/air/tunnel-entrances-to-irans-fordow-nuclear-site-likely-sealed-off-before-b-2-strikes
[17] Satellite images and leaked intelligence throw doubt on Trump’s claims of success in Iran nuclear base strikes | Independent, accessed on June 26, 2025, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/trump-iran-nuclear-sites-maxar-technologies-satellite-images-b2777186.html
[18] Assessing the Effect of the U.S. Strikes on Iran | Council on Foreign Relations, accessed on June 28, 2025, https://www.cfr.org/article/assessing-effect-us-strikes-iran
[19] Iran Update, June 26, 2025 | Institute for the Study of War, accessed on June 28, 2025, https://www.understandingwar.org/backgrounder/iran-update-june-26-2025
[20] The fighting between Iran and Israel raises questions about Russia's influence in the Middle East, accessed on June 28, 2025, https://apnews.com/article/russia-iran-israel-middle-east-ukraine-war-a18097f05fb4e137b6a7b54cb4068ab7
[21] Iran's “Axis of Resistance” collapses under Israeli strikes - BizNews, accessed on June 28, 2025, https://www.biznews.com/thought-leaders/irans-axis-resistance-collapses-israeli-strikes-regional-vegter
[22] Middle East must prioritize diplomacy over conflict | Arab News, accessed on June 28, 2025, https://www.arabnews.com/node/2606080
[23] After this, can Iran's Axis of Resistance ever make a comeback? - The New Arab, accessed on June 28, 2025, https://www.newarab.com/opinion/after-can-irans-axis-resistance-ever-make-comeback
[24] If Iranian regime collapses or is toppled, 'what's next?' | Responsible ..., accessed on June 28, 2025, https://responsiblestatecraft.org/iran-war-2672435982/
[25] If Iranian regime collapses or is toppled, 'what's next?' | Responsible ..., accessed on June 28, 2025, https://responsiblestatecraft.org/iran-war-2672435982/
[26] حملة اعتقالات واسعة في إيران: الحريات تدفع الثمن عقب الهجمات الإسرائيلية, نشر في 4/7/2025 وشوهد في 6/7/2025 https://wjwc.org/ar/press-releases-ar/2025-07-04-20-14-27
[27] "Israel and US have chosen war, unleashing fresh economic pain | Responsible Statecraft". ..., accessed on June 30, 2025. https://responsiblestatecraft.org/us-strikes-iran-oil/
[28] Which Iranian oil and gas facilities has Israel hit? Why do they matter? accessed on Jul 05, 2025 https://www.aljazeera.com/news/2025/6/15/which-iranian-oil-and-gas-fields-has-israel-hit-and-why-do-they-matter
[29] Explainer: What were the real costs of the Iran-Israel war? ? accessed on Jul 05, 2025 https://www.newarab.com/news/explainer-what-were-real-costs-iran-israel-war
[30] Iran's 2025 Budget: Prioritizing Propaganda, Security, and Religious Institutions Over Public Welfare - NCRI, accessed on June 28, 2025, https://www.ncr-iran.org/en/news/economy/irans-2025-budget-prioritizing-propaganda-security-and-religious-institutions-over-public-welfare/
[31] Iran's 2025 Budget: Massive Oil Revenues for Military, State Assets Transferred to IRGC, accessed on June 28, 2025, https://iranfocus.com/economy/53863-irans-2025-budget-massive-oil-revenues-for-military-and-state-asset-transfers-to-irgc/
[32]The Iran-Israel War Was Short. The Next One Will Not Be - Middle East Forum, accessed on June 28, 2025, https://www.meforum.org/mef-online/the-iran-israel-war-was-short-the-next-one-will-not-be
[33] “Senior Iranian Official Threatens Change in Nuclear Doctrine,” Radio Free Europe/Radio Liberty, May 10, 2024, https://www.rferl.org/a/iran-change-nuclear-doctrine-bombs-israel/32940976.html.
[34] The Axis of Resistance Returns to Its Local Roots - The Century Foundation, accessed on Jul 06, 2025 https://tcf.org/content/report/the-axis-of-resistance-returns-to-its-local-roots/
[35] The global implications of the US strikes on Iran, Brookings, accessed on Jul 06, 2025 https://www.brookings.edu/articles/the-global-implications-of-the-us-strikes-on-iran/
[36] What's At Stake If Israel-Iran Conflict Escalates? 5 Worst-Case Scenarios , accessed on Jul 06, 2025 https://www.ndtv.com/world-news/whats-at-stake-if-israel-iran-conflict-escalates-five-worst-case-scenarios-8672684
[37] After the Bombs: Israel-Iran and Three Long-term Scenarios – Asian Chemical Connections, accessed on Jul 06, 2025
[38] The Most Significant Long-Term Consequence of the U.S. Strikes on Iran, accessed on Jul 06, 2025 https://carnegieendowment.org/emissary/2025/06/iran-strikes-us-impacts-iaea-nuclear-weapons-monitoring?lang=en
[39] Analysis of IAEA Iran Verification and Monitoring Report — May 2025, accessed on Jul 06, 2025 https://isis-online.org/uploads/isis-reports/documents/Analysis_of_May_2025_IAEA_Iran_Verification_Report_FINAL.pdf
[40] Perspectives on the US Attack on Iran and Its Repercussions - Arab Center Washington DC, accessed on Jul 06, 2025 https://arabcenterdc.org/resource/perspectives-on-the-us-attack-on-iran-and-its-repercussions/
[41] In the crossfire: How the Gulf states can steer dialogue between Iran and Israel | ECFR, accessed on June 28, 2025, https://ecfr.eu/article/in-the-crossfire-how-the-gulf-states-can-steer-dialogue-between-iran-and-israel/
[42] Middle East must prioritize diplomacy over conflict | Arab News, accessed on June 28, 2025, https://www.arabnews.com/node/2606080
[43] 21 Muslim countries including Saudi Arabia, Qatar, UAE condemn Israeli strikes on Iran | DW News, accessed on Jul 09, 2025, https://youtu.be/HxtezQ0sqko
[44] For the Gulf, business comes first—even after the Twelve Day War, Atlantic Council, accessed on Jul 09, 2025 https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/for-the-gulf-business-comes-first-even-after-the-twelve-day-war/
[45] How Gulf States Are Reinterpreting National Security Beyond Their Land Borders | Carnegie Endowment for International Peace, accessed on Jul 09, 2025 , https://carnegieendowment.org/research/2024/08/how-gulf-states-are-reinterpreting-national-security-beyond-their-land-borders-abdullah-baabood?lang=en
[46] From Diplomacy to Military Force: The Future of Iran’s Nuclear Program, accessed on Jul 10, 2025 , https://youtu.be/Is-ZnSVUaxo
[47] As Israel and the US Attack Iran, the ‘Axis of Resistance’ Remains on the Sidelines | Stimson Center, accessed on Jul 10, 2025
[48] Hamas is Only One of Four Iranian Fronts Against Israel | Stimson Center, accessed on Jul 10, 2025
https://www.stimson.org/2023/hamas-is-only-one-of-four-iranian-fronts-against-israel/
[49] Iran’s Islamist Proxies in the Middle East | Wilson Center, accessed on Jul 10, 2025, https://www.wilsoncenter.org/article/irans-islamist-proxies
[50] The Iranian and Houthi War against Saudi Arabia, accessed on Jul 10, 2025,
https://www.csis.org/analysis/iranian-and-houthi-war-against-saudi-arabia
[51] Iran faces battlefield isolation as its 'Axis of Resistance' stays silent ..., accessed on June 28, 2025, https://m.economictimes.com/news/international/global-trends/iran-faces-battlefield-isolation-as-its-axis-of-resistance-stays-silent-in-fight-with-israel/articleshow/121955003.cms
[52] Iran faces battlefield isolation as its 'Axis of Resistance' stays silent ..., accessed on June 28, 2025, https://m.economictimes.com/news/international/global-trends/iran-faces-battlefield-isolation-as-its-axis-of-resistance-stays-silent-in-fight-with-israel/articleshow/121955003.cms
[53] Iran's 2025 Budget: Prioritizing Propaganda, Security, and Religious Institutions Over Public Welfare - NCRI, accessed on June 28, 2025, https://www.ncr-iran.org/en/news/economy/irans-2025-budget-prioritizing-propaganda-security-and-religious-institutions-over-public-welfare/
[54] After this, can Iran's Axis of Resistance ever make a comeback? - The New Arab, accessed on June 28, 2025, https://www.newarab.com/opinion/after-can-irans-axis-resistance-ever-make-comeback
[55] Iran's “Axis of Resistance” collapses under Israeli strikes - BizNews, accessed on June 28, 2025, https://www.biznews.com/thought-leaders/irans-axis-resistance-collapses-israeli-strikes-regional-vegter
[56] How will Yemen's Houthis respond to Israel's war against Iran?, accessed on June 28, 2025, https://www.newarab.com/analysis/how-will-yemens-houthis-respond-israels-war-against-iran
[57] Trump’s 2025 Gulf Tour: Deals, Diplomacy, and Dilemmas, accessed on Jul 09, 2025, https://behorizon.org/trumps-2025-gulf-tour-deals-diplomacy-and-dilemmas/
[58] For the Gulf, business comes first—even after the Twelve Day War, Atlantic Council, accessed on Jul 09, 2025 https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/for-the-gulf-business-comes-first-even-after-the-twelve-day-war/
[59] How Gulf States Are Reinterpreting National Security Beyond Their Land Borders, Carnegie Endowment for International Peace, accessed on Jul 09, 2025, https://carnegieendowment.org/research/2024/08/how-gulf-states-are-reinterpreting-national-security-beyond-their-land-borders-abdullah-baabood?lang=en
[60] The fighting between Iran and Israel raises questions about Russia's influence in the Middle East, accessed on June 28, 2025, https://apnews.com/article/russia-iran-israel-middle-east-ukraine-war-a18097f05fb4e137b6a7b54cb4068ab7
[61] Assessing the Effect of the U.S. Strikes on Iran | Council on Foreign Relations, accessed on June 28, 2025, https://www.cfr.org/article/assessing-effect-us-strikes-iran