حضرموت..  دوافع وتداعيات التصعيد العسكري بين الإنتقالي والقبائل

تقدير موقف | 2 ديسمبر 2025 19:02
حضرموت..  دوافع وتداعيات التصعيد العسكري بين الإنتقالي والقبائل

 

ملخص

تشهد محافظة حضرموت توتراً ملحوظاً في الوقت الراهن، ما جعلها تتصدر المشهد السياسي والإعلامي في اليمن، وبالإضافة للتصعيد الراهن فإن ثمة عوامل استراتيجية واقتصادية وجغرافية تؤكد أهمية حضرموت، إذ تُعد أغنى محافظة يمنية بالنفط، كما أنها أكبر المحافظات من حيث المساحة، فضلاً عن موقعها المطل على البحر العربي جنوباً، ومحاذاة الحدود السعودية شمالاً.

وخلال السنوات العشر الأخيرة ظهرت عدة مكونات حضرمية، تدعو لتعزيز مكانة حضرموت وحق أبنائها في إدارة شئونها، باعتبارها وحدة سياسية واقتصادية وجغرافية مستقلة، ومن أبرز المكونات التي ظهرت في هذا الصعيد، "العصبة الحضرمية"، و"الهبة الحضرمية"، و"مؤتمر حضرموت الجامع"، و"حلف قبائل حضرموت"، و"مجلس حضرموت الوطني"، بالإضافة إلى وجود فروع للأحزاب السياسية الرئيسية والحراك الجنوبي والمكونات السياسية الأخرى التي تأسست مؤخراً، ومنها المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب اليمن.

تحاول هذه الدراسة الوقوف على آخر التطورات في حضرموت، وتسليط الضوء على أبرز الفاعلين المحليين ودور القوى الإقليمية المؤثرة في المشهد الحضرمي.

 

الموقع والأهمية

تقع محافظة حضرموت في جنوب شرق الجمهورية اليمنية، يحدها من الجنوب بحر العرب، ومن الشرق محافظة المهرة، ومن الشمال السعودية ومن الغرب محافظات شبوة ومأرب والجوف.

تمثل مساحة حضرموت 36 % من مساحة اليمن البالغة 555 ألف كم2، وتضم 28 مديرية، موزعة بين منطقتي الساحل والوادي، وفيما تعد المكلا- عاصمة المحافظة، أهم مدن الساحل، فإن تريم وسيئون تعتبران من أهم مدن وادي حضرموت.

تقع حضرموت على شريط ساحلي ممتد على شاطئ بحر العرب، يبلغ طوله 620 كم، وتوجد فيها عدة موانئ، أبرزها ميناء المكلا، وميناء الشحر (الضبة)، ويعد هذا الأخير أحد خطوط النقل اليمنية الثلاثة الرئيسية لنقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى المنافذ البحرية، إلى جانب ميناء بلحاف على البحر العربي، وميناء رأس عيسى على البحر الأحمر غربي اليمن، وقد أنشئ ميناء الشحر (الضبة) في العام 1993، ومنه يتم تحميل وشحن السفن بالنفط الخام من المسيلة وشرق شبوة وحواريم وغيرها من الحقول القريبة.

توجد في حضرموت عدة حقول نفطية تعتبر أكبر رافد لخزينة الدولة، حيث تصدر حقول النفط في حضرموت أكثر من 80% من النفط اليمني[1]، وأهم هذه الحقول المسيلة الذي بدأ إنتاجه في العام 1993، ويحتل المركز الأول على مستوى اليمن.

 

المكونات السياسية في حضرموت

برزت في السنوات الأخيرة عدة مكونات تتبنى المطالبة بحقوق حضرموت، بعضها يتبنى المطالب الحقوقية والخدمية، وبعضها يتضمن المطالب السياسية والمتعلقة بمستقبل حضرموت، ونستعرض فيما يلي أهم المكونات التي ظهرت في العقد الأخير، وأبرز أفكارها ورؤاها عن واقع حضرموت ومستقبلها.

في العام 2003 تأسست "المنظمة الوطنية لتحرير حضرموت" حتوم، على يد "عبدالله سعيد باحاج"، وتدعو إلى "تقرير المصير لسكان حضرموت، واستعادة دولتهم المستقلة"[2]، وفيما بعد تشكلت عدة حركات ومكونات تتبنى قضية حضرموت، منها: "جبهة إنقاذ حضرموت"، و"التجمع الوطني الحضرمي"، و"تكتل صحوة شباب حضرموت"، و"التكتل الشبابي الجامعي"، إضافة إلى "ائتلاف شباب حضرموت الأحرار"، و"تجمع حضارم لأجل الجنوب"، ومنها تشكلت "عصبة القوى الحضرمية" في مايو/أيار 2012[3].

وترى العصبة الحضرمية أن "لحضرموت الحق الكامل في العودة لوضعها وكيانها الطبيعي السابق والمستقل من دون تبعية للشمال أو الجنوب، وأن هذا الحق ثابت وأصيل حتى وإن لم تتم له أي تسوية في المنظور القريب"[4] .

وفي ديسمبر/كانون أول 2013 أعلن تحالف قبائل حضرموت، انطلاق "الهبة الشعبية" عقب مقتل الشيخ سعد بن حبريش، زعيم قبيلة الحموم، بالقرب من حاجز أمني، وتبنت قيادة الهبة عدة مطالب منها تسليم قتلة بن حبريش، وانسحاب قوات الأمن والجيش من النقاط الأمنية وتسليمها لقبائل حضرموت، وتحسين أوضاع الخدمات في حضرموت، وتمكين أبنائها من إدارة مناطقهم وإسناد مهام حفظ الأمن وحماية الشركات الأجنبية لأبناء المحافظة نفسها.

ومنذ انطلاق الهبة تصاعدت مطالب أبناء حضرموت، وصار حلف قبائل حضرموت، ومؤتمر حضرموت الجامع الذي تشكل في أبريل/نيسان 2017، على رأس القوى والمكونات الحضرمية التي تحظى بتأييد شعبي واسع.

 وفي ديسمبر 2021 انطلقت الهبة الثانية، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والتدهور المعيشي، وكان قد بدأ الحراك الشعبي من مؤتمر "حرو" بوادي حضرموت، وصولاً إلى "اعتصام العيون" في الهضبة التابعة إدارياً لساحل حضرموت.

وفي يونيو/حزيران 2023، تم الإعلان عن تشكيل "مجلس حضرموت الوطني"، بعد سلسلة مشاورات احتضنتها الرياض، ووُصف المجلس في بيان إشهاره بـ"الحامل السياسي لتطلعات المجتمع الحضرمي"، كما أن الجلسة الختامية للمشاورات التي أعلن فيها تشكيل المجلس حضرها السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر ومحافظ حضرموت، شهدت إصدار "الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية"، التي تضمنت "بنود رئيسة تلبي تطلعات أبناء حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية"[5].

 

دوافع التصعيد وتداعياته

تشهد محافظة حضرموت توترًا متصاعدًا منذ عدة أسابيع، خاصة بعد وصول رجل الإمارات الغامض صالح بن الشيخ (أبو علي الحضرمي)، مسنوداً بقوة جديدة من خارج المحافظة تحت مسمى "قوات الدعم الأمني".

الرجل الذي كان أحد أبرز عناصر الاتصال بين الحرس الثوري الإيراني والحراك الجنوبي قبل اندلاع الحرب في العام 2015، بدأ يجمع الشخصيات الاجتماعية والمشايخ الموالين للمجلس الانتقالي، ويطلق تهديداته ضد "حلف قبائل حضرموت" بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش- وكيل محافظة حضرموت، وتزامنت تهديداته مع إرسال قوات عسكرية من عدن ولحج والساحل الغربي صوب حضرموت، فيما بدا أنه سعي لتوسيع سيطرة الانتقالي لتشمل ساحل حضرموت كمرحلة أولى، من خلال انتزاع المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات "حماية حضرموت" التابعة لـ"حلف قبائل حضرموت" الذي عقد اجتماعاً موسعاً في 27 نوفمبر الماضي، لمواجهة التحديات والتصعيد الذي يقوده الانتقالي عبر تحركات "قوة الدعم الأمني"- النسخة الجديدة من تشكيلات الانتقالي، فضلاً عن مواصلة حشد القوات من عدة مناطق صوب حضرموت.

وبعد يومين من اجتماعه الموسع الذي أوكل لقواته مهمة الدفاع عن حضرموت، تحركت هذه القوة لـ"تأمين منشآت حقول نفط المسيلة، لتعزيز الأمن فيها والدفاع عن الثروات الوطنية من أي اعتداء أو تدخل خارجي"، بحسب بيان للحلف قال إن "حضرموت تواجه محاولة واضحة للسيطرة على المحافظة ومكامن النفط"، مشيرا إلى أن مجموعات خارجية بدأت بالتمركز في مواقع حيوية واستلام بعض المعسكرات وعزل قياداتها المحلية.

وقال رئيس الحلف القبلي إنهم قاموا بخطوة استباقية، للحفاظ على حقول النفط من الحشود العسكرية القادمة من خارج المحافظة، التي قال إنها قوات "غير قانونية" وتتلقى دعماً مباشراً من الإمارات لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي.

وأشار بن حبريش في مقابلة مع بي بي سي (1 ديسمبر الجاري)، إن محافظة حضرموت تتعرض حالياً للغزو من قبائل المحافظات الأخرى، خصوصاً من الضالع ويافع، وإن هذه القوات التي دفع بها المجلس الانتقالي، للسيطرة على حقول النفط، غير قانونية ولا تحمل أي صفة.

وأوضح أن ما يقوم به حلف قبائل حضرموت هو دفاع عن النفس، داعياً المجتمع الدولي والدول الإقليمية إلى دعم استقرار حضرموت، وقال إن العلاقة مع السعودية تاريخية وأخوية، معبّراً عن ثقته بأنها لن تتخلى عن حضرموت[6].

من جهتها توعدت قيادة المنطقة العسكرية الثانية (تتبع رسمياً وزارة الدفاع ولكنها توالي أبوظبي)، حلف حضرموت، والقوات التابعة له لشركة بترومسيلة النفطية، معتبرةً سيطرتها على المنشئات النفطية "تصعيداً خطيراً لا يمكن السكوت عنه"، مؤكدة إنها "ستتخذ كافة الإجراءات، وسيتم الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه الإضرار بمقدرات الشعب"[7].

 وبحسب مراقبين فإن المجلس الانتقالي يسعى لتوسيع نطاق سيطرته في حضرموت، ضمن ما يدعوه "استعادة دولة الجنوب" التي كانت قائمة قبل الوحدة عام 1990، بما في ذلك السيطرة على الحقول والمنشئات النفطية، كما يسعى لاستباق أي مفاوضات بشأن مستقبل اليمن، بالإضافة إلى سعيه لتحقيق هدفه القديم المتمثل بمد نفوذه إلى وادي حضرموت الواقع تحت سيطرة المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة الشرعية.

وتصطدم مساعي الانتقالي بحلف قبائل حضرموت الذي يسعى في الوقت الراهن للمحافظة على خصوصية حضرموت والوصول إلى تحقيق حكم ذاتي للمحافظة وإدارة مستقلة من أبنائها، انطلاقاً من إجماع غالبية الحضارم على أحقيتهم في إدارة شؤون محافظتهم بعيداً عن التجاذبات والصراعات المسلحة، وخشيتهم من انتقال الصراعات إلى حضرموت.

على المستوى الإقليمي، ترتبط السعودية بحلف قبائل حضرموت وشيوخ المحافظة ورموزها السياسية والاجتماعية عبر علاقات تاريخية، وفي المقابل أنشأت الإمارات قوات النخبة الحضرمية وقامت بتدريبها ودعمها، كما أن المجلس الانتقالي يعد الأداة الوظيفية لأبوظبي في حضرموت وبقية المحافظات في شرق وجنوب اليمن، ومن هنا تأتي تناقضات الأجندة والمشاريع المحلية والإقليمية، حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه.

وفي الفترة الماضية حافظت الأطراف المحلية – بدعم وتوجيه إقليمي (سعودي وإماراتي) - على مستوى من التفاهم رغم بروز حالات تصعيد بين وقت وآخر، إلا أن ما ظهر خلال الأسابيع الأخيرة يشير إلى تصاعد غير مسبوق، سيما وأنه وصل حد استقدام قوات وتشكيلات مسلحة – موالية للانتقالي- من عدة محافظات، في خطوة عدها المراقبون سعياً محموماً لتحقيق سيطرة على الأرض لتعزيز سيطرة الانتقالي على مناطق شرق اليمن، وفي مقدمتها حضرموت الساحل والوادي ومحافظة المهرة المجاورة، وبذلك تتحقق للإمارات- عبر الانتقالي- السيطرة على الشريط الساحلي لجنوب وشرق البلاد على بحر العرب، فضلاً عن السيطرة على موارد وحقول النفط في المناطق المحاذية لحدود المملكة العربية السعودية، وهي فرصة ثمينة لأبوظبي لا يمكن أن تضيعها.

تستفيد الإمارات والقوى التابعة لها من حالة الضعف التي تعيشها الحكومة الشرعية بما فيها مؤسسة الجيش والأمن، ومن صمت الرياض على ما يجري في ظل انشغالها بملفات خارجية تمثل لها أولوية ومنها الحرب في السودان التي احتلت حيزا واسعا من زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لواشنطن قبل أيام.

وسيكون للتوتر المتصاعد في حضرموت انعكاسات وتداعيات محلية على مستوى حضرموت أولاً وعلى مستوى اليمن ثانياً، ومن هذه التداعيات احتمال انزلاق الوضع إلى اشتباكات مسلحة بين القوتين البارزتين (قوات الانتقالي وقوات حلف حضرموت)، على ما يشكل ذلك من تهديد للاستقرار في المحافظة التي ظلت بعيدة عن الصراعات منذ سنوات طويلة، وعلى المستوى الوطني يمكن أن يؤدي انزلاق حضرموت نحو الصراع إلى تعقيد الوضع على مستوى اليمن لما تمثله المحافظة من أهمية استراتيجية واقتصادية، وبالتالي إضافة جملة من التعقيدات للمشهد السياسي المعقد أصلاً بفعل الحرب وتدهور الأوضاع منذ أكثر من عشر سنوات.

 

السيناريوهات المتوقعة

  •  احتواء إقليمي (أكثر ترجيحاً):

من خلال تدخل مباشر من الرياض وأبوظبي لدفع الأطراف المحلية نحو التهدئة، مع بقاء عناصر التوتر قائمة باحتشاد كل طرف في مناطق معينة. وهذا قد يستمر لفترة مؤقتة لكنه غير ثابت.

وهذا السيناريو يبدو المرجح بالنظر للأهمية التي تمثلها حضرموت، كما أنه ليس من مصلحة الداعمين الإقليميين نشوب صراع جديد في منطقة تشكل خاصرة السعودية الجنوبية، لأن هذا يمنح الحوثيين تفوقاً جديداً على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي والإعلامي.

  • اشتباكات مسلحة:

لا يزال أقل احتمالا حتى اللحظة لكنه وارد بالنظر إلى بروز عدة مؤشرات منها تصاعد نبرة التهديد من جانب الانتقالي من جهة، واستماتة حلف القبائل في الحديث عن دفاع عن النفس والممتلكات العامة من جهة ثانية، سيما إذا كان توسيع سيطرة الانتقالي رغبة إماراتية ولها ارتباط بالأجندة الخارجية لأبوظبي، المتصلة بالدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع السودانية- في الجانب الغربي من البحر الأحمر.

  • تشكيل قوات محايدة:

من خلال التوافق محلياً- وبدعم إقليمي- على إنشاء قوة عسكرية وأمنية من مختلف الأطراف وبقيادات غير متحيزة لأي طرف من أطراف التصعيد الراهن، وإشراف سعودي- إماراتي، وتكون مهمتها حماية المنشئات النفطية والحيلولة دون انفجار الأوضاع.

 

المراجع

 

[1]  محمد عبدالملك، حضرموت توقف تصدير النفط، الجزيرة نت، 26 سبتمبر 2019، على الرابط:  https://cutt.us/GVf9c

[2]   العصبة الحضرمية، موسوعة عريق، على الرابط:  https://2u.pw/hQveqD3  .

[3]  ناصر المشجري، (حوار مع) رئيس جبهة انقاذ حضرموت: ليس لنا علاقة بالشمال والجنوب، مأرب برس، 19 يناير 2013، على الرابط: https://marebpress.net/articles.php?id=18886 .

[4]  المرجع نفسه.

[5] الوثيقة السياسية والحقوقية الصادرة عن المشاورات الحضرمية- الرياض، 20 يونيو 2023، صوت حضرموت، على الرابط: https://www.hdrvoice.com/23885/ .

[6]  عمرو بن حبريش: حضرموت تتعرض للغزو وما قمنا به خطوة استباقية، بران برس، الاثنين 1 ديسمبر 2025، (شوهد في 1 ديسمبر 2025)، على الرابط: https://barran.press/news/12483 .

[7]  المرجع نفسه.

نشر :