القانون المطرد: كيف أن التراخي في دمج التشكيلات العسكرية يُسلم اليمن لدورات جديدة من الاقتتال

تقدير موقف | 22 يوليو 2022 00:00
 القانون المطرد: كيف أن التراخي في دمج التشكيلات العسكرية يُسلم اليمن لدورات جديدة من الاقتتال

ENGLISH

PDF

مقدمة:

يعتمد نجاح مجلس القيادة الرئاسي والمرحلة السياسية التي يقودها بشكل عام على جملة من العوامل، يقع على رأسها إتمام دمج التشكيلات العسكرية التابعة للمكونات المنضوية في إطاره في بُنية وزارتي الدفاع والداخلية وتحت قيادته، وهي مهمة تم ترحيلها من اتفاق الرياض في أواخر عام 2019م بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، قبل أن يتم دمج الانتقالي في مجلس القيادة الرئاسي، والذي أصبح يُمثل السلطة الشرعية التي تحظى بالاعتراف الدولي.

وقد أكد البيان الختامي للمشاورات اليمنية – اليمنية الذي عقد في الرياض خلال الفترة (30 مارس وحتى 7 ابريل)، والذي عملت السعودية على أن يكون مظلة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل السلطة إليه، على ضرورة استكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وينصرف الحديث هنا إلى البنود العسكرية والأمنية في الاتفاق[1]،

 وقد نص الإعلان الرئاسي الذي بموجبه تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي على أن من مهام المجلس، "تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار يكون من اختصاصها "تهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن"[2].

وقد اقر مجلس القيادة الرئاسي يوم الاثنين الموافق 30 مايو 2022م، تشكيل اللجنة الامنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الامن والاستقرار، واعادة هيكلة القوات المسلحة والامن، وتتكون من (59) عضوا برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، واللواء الركن طاهر علي العقيلي نائبا، والعميد ركن حسين الهيال عضوا مقررا، كما وافق مجلس القيادة الرئاسي على تشكيل لجنه لتقييم وإعادة هيكله الأجهزة الاستخبارية، مؤكدا اهمية اضطلاع هذه اللجان بواجباتها[3]

وفيما يتوقع أن تمضي الإجراءات التوافقية الخاصة بأداء مجلس القيادة الرئاسي بوتيرة جيدةـ في الأبعاد السياسية وربما الاقتصادية فإنه يتوقع ألا تكون كذلك بالنسبة للجوانب العسكرية والأمنية، إذ من المتوقع أن يتعرض سيرها الكثير من التحديات.

ولخطورة هذا الأمر على الانتقال الذي أحدثه تشكيل مجلس القيادة وعلى خفض التوتر بين التشكيلات العسكرية التابعة لكل من المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية وعلى السلام، ولتحقيق ذلك تبحث هذه الورقة في دورات الحرب التي تتكرر بفعل توزع المكونات العسكرية على أكثر من طرف وعدم الالتزام بتنفيذ الأبعاد العسكرية والأمنية في الاتفاقات والتسويات السياسية، وتجادل الورقة في أن عدم الالتزام بتنفيذ الجوانب العسكرية والأمنية كان على الدوام من العوامل الرئيسية التي تدفع البلاد إلى دورات من الحروب والاقتتال.

 

فشل دمج الجيش بناء على اتفاق قيام الوحدة:

اقتضى قيام الوحدة في 22 مايو 1990، دمج الهيئات والمؤسسات والمصالح الحكومية في كلا الشطرين كل بما يناظرها في الشطر الثاني، وقد حدث تباطؤ في دمج المؤسسة العسكرية وعدد آخر من المؤسسات الحيوية، حيث اقتصر الأمر على نقل عدد من الوحدات العسكرية التي كانت تتبع النظام في الشمال الى مناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية والعكس، وعلى الأرجح أن التباطؤ في الدمج ارتبط بالنوايا غير الصادقة لدى شريكي الوحد، الحزب الاشتراكي اليمني، والمؤتمر الشعبي العام، واللذين كانا يهيمنان على الوحدات العسكرية في تلك المرحلة، وربما كان ذلك للتحوط في مواجهة تطورات الأحداث في المستقبل.

وبعد مضي عام تقريبا من قيام الوحدة تدهورت العلاقة بين رئيس مجلس الرئاسة في ذلك الوقت "علي عبدالله صالح" ونائب رئيس المجلس "علي سالم البيض"، وهو ما وضع الكثير من العُقد في مسار استكمال دمج القوات المسلحة في دولة الوحدة.  

ومع ظهور ملامح أزمة سياسية بين المؤتمر والاشتراكي، زادت الأمور تعقيدا، وبالرغم من أن الطرفين عقدا العديد من الاجتماعات لدمج القوات المسلحة، غير أنها لم تحقق أهدافها في دمج القوات المسلحة للشطرين[4]، فقد عمد الحزب الاشتراكي إلى المماطلة في دمج القوات المسلحة لعدم ثقته بشريكه في الحكم، وكورقة لتحصين المكاسب التي حصل عليها بمشاركته في قيام الوحدة، وتأمين بقاءه في السلطة بغض النظر عن نتائج الانتخابات البرلمانية، ولاستخدامها في حال التراجع عن الوحدة بسبب التنازع على الحكم.

وكان عدم إتمام دمج القوات المسلحة كان من العوامل الرئيس التي شجعت الطرفين على تصعيد الأزمة ونقلها من الجانب السياسي إلى الجانب العسكري.

وقد حاولت وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوافق عليها من قبل لجنة الحوار الوطني معالجة هذا الأمر، فقد نصت على ضرورة "إخلاء المدن من القوات المسلحة، وإعادة تموضعها ضمن خطة مركزية واحدة، تمهيداً لدمجها وتنظيمها وتصحيح أوضاعها، وإعادة التمركز في سياق بناء جيش وطني حديث يعبر عن الوحدة الوطنية ويواكب النهج الديمقراطي متحررا من كافة التأثيرات المناطقية والأُسرية والقبلية .. وتسوية كافة الوحدات العسكرية دون تمييز أو استبعاد، وعلى أن تتبع القوات المسلحة الحكومة مباشرة، ولا يجوز إنشاء أي قوة عسكرية وشبه عسكرية تتبع أي جهة أخرى"[5].

ولم تلق وثيقة العهد والاتفاق طريقها إلى التنفيذ، لأن طرفي الأزمة لم يكونا جادين في التعاطي معها، وكانا يستخدمان المفاوضات لكسب الوقت لاستكمال الترتيبات العسكرية لحسم الأمر عن طريق القوة، ولهذا انزلقت البلاد سريعا إلى حرب أهلية عام 1994م، وهي حرب ربما كان من الممكن تجنبها لو تم دمج القوات المسلحة، وكانت هذه هي المحطة الأولى التي يؤدي فيها عدم دمج القوات المسلحة تحت سلطة وقيادة واحدة إلى دورة موجعة من الحرب والاقتتال.

 

عدم استكمال دمج القوات المسلحة في ضوء المبادرة الخليجية:

حدث نفس الأمر في الفترة الانتقالية التي أعقبت الثورة الشبابية الشعبية 2011م، وإن بصورة مختلفة بعض الشيء، فقد كان الجيش اليمني يعاني من انقسامات غير معلنة، بفعل الصراع السياسي ، واتهامات المعارضة للرئيس السابق "علي عبدالله صالح" بالمضي في طريق نقل السلطة وتوريثها إلى نجله الأكبر، وقد أظهرت أحداث الثورة تلك الانقسامات ودفعت بها إلى السطح، فبعد احداث جمعة الكرامة في 18 مارس 2011م، والتي قُتل فيها ما يزيد على (50) من شباب الثورة، أعلن الفريق "علي محسن الأحمر" وعدد كبير من قادة المناطق والوحدات العسكرية الانضمام إلى الثورة، وضمان حمايتها، ومعه تعرضت وحدات الجيش وأجهزة الأمن إلى حالة من الانقسام والاستقطاب الحاد واقتربت البلاد كثيرا من مسارات حرب مدمرة.

وقد نجحت الضغوط الدولية وحرص وتعقل الأطراف الرئيسة اليمنية في تجنيب اليمن مسار الحرب، ووضعتها في مسار سياسي يقوم على التوافق، من خلال تسوية سياسية ترجمتها "المبادرة الخليجية".

تضمنت المبادرة الخليجية إعادة الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر السياسي والأمني، ونصت الآلية التنفيذية التابعة لها على ضرورة "تشكيل لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، برئاسة الرئيس "عبدربه منصور هادي" يكون من مهامها "إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية، وإعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وعلى أن  تقوم اللجنة خلال مرحلة الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون"[6].

تمكنت لجنة الشؤون العسكرية من تخفيف التوترات وتطبيع الحياة وخاصة في مدينتي صنعاء وتعز، واتجهت جهودها بعد ذلك إلى إعادة بناء القوات المسلحة بما ينهي الانقسام، ويؤمن المرحلة الجديدة، من خلال توحيد القوات المسلحة تحت قيادة الرئيس "عبدربه منصور هادي" باعتبار ذلك شرطا ضروريا لإخراج البلاد من حالة التجاذبات وتوفير فرصة أكبر لنجاح الانتقال السياسي وضمان الاستقرار في البلاد.

وفي 19 ديسمبر 2012م أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم (104) لسنة 2012 الخاص بالهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، حدد بموجبه المكونات الرئيسة للقوات المسلحة بخمسة فروع هي: القوات البرية، القوات الجوية والدفاع الجوي، والقوات البحرية والدفاع الساحلي، وقوات حرس الحدود، والاحتياط الاستراتيجي.

كما تم إعادة النظر في مسرح العمليات ووزعت القوات المسلحة على سبع مناطق عسكرية وليس خمس، على النحو الذي يظهره الجدول التالي

جدول رقم (ا) يوضح المناطق العسكرية ومناطق انتشارها

م

المنطقة العسكرية

الانتشار

مقر القيادة

1

المنطقة العسكرية الأولى

حضرموت الوادي

سيئون

2

المنطقة العسكرية الثانية

ساحل حضرموت، المهرة، سقطرى

المكلا

3

المنطقة العسكرية الثالثة

مأرب، شبوة

مأرب

4

المنطقة العسكرية الرابعة

عدن، لحج، ابين، الضالع، تعز

عدن

5

المنطقة العسكرية الخامسة

الحديدة، حجة

الحديدة

6

المنطقة العسكرية السادسة

عمران، صعدة، الجوف

عمران

7

المنطقة العسكرية السابعة

ذمار، صنعاء، البيضاء، إب

ذمار

المصدر: مصادر متعددة

كما جرى استحداث مناصب وهيئات جديدة في قيادة الجيش، وتم إلغاء الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، وتوزيع وحداتهما العسكرية على المناطق العسكرية وقوات الاحتياط التي جرى استحداثها.

وبصعوبة بالغة، جرى تغيير القيادات العسكرية والأمنية المحسوبة على النظام السابق بمن فيهم "احمد علي عبدالله"، فقد تم تعيينه سفيرا لليمن لدى دولة الامارات العربية المتحدة، وكان تغيير تلك القيادات مطلبا رئيسيا للاحتجاجات الشعبية، ولإنفاذ التغيير السياسي، أما الفريق "علي محسن الأحمر"، فقد اظهر مرونة في قبول التغيير، حيث تم ازاحته من قيادة الفرقة الأولى مدرع وتعيينه مستشارا للرئيس "هادي" لشؤون الدفاع والأمن.

وفيما كانت جهود إعادة هيكلة القوات المسحة وأجهزة الأمن تمضي في طريقها وإن ببطء، فرضت المتطلبات الواسعة التي تم حشرها في المرحلة الانتقالية ضغوطها على القيادة الانتقالية، من خلال توجيه الاهتمام وحشد الإمكانات للتعامل مع استحقاق مؤتمر الحوار الوطني، في الوقت الذي لم تكن جهود إعادة هيكلة القوات المسلحة قد استكملت بعد.

وفي ظل "احتفاظ العديد من كبار الضباط بالولاء الشخصي للرئيس الأسبق "صالح" الذين عينهم خلال فترة توليه الرئاسة، استمرار نفوذه وسلطته داخل الجيش وساعد على ذلك ضعف قيادي واضح لدى خليفته الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ، .. وفي ظل التعبئة والشحن التي قامت بها جماعة الحوثي المسلحة واستغلال تحالفها مع "صالح" ضد هيكلة الجيش، فقد تم شيطنت الهيكلة وتصويرها أنها تستبطن الانتقام من المؤسسة العسكرية وتفكيكها تمهيدا لتمزيق الوحدة وفرض الانفصال.

وإلى جانب الضغوط التي تعرضت لها المرحلة الانتقالية، شاركت الأطراف الدولية والإقليمية في إرباك تلك المرحلة ببعض أخطائها، وذلك من زاويتين على الأقل، فتصميم المبادرة الخليجية والتخطيط للمرحلة الانتقالية جرى بطريقة مثالية وغير واقعية، ففي بحر عامين كان المطلوب من هذه المرحلة، انفاذ التغيير السياسي، والتعاطي مع الأزمات والصراعات المزمنة التي كانت تعاني منها اليمن، وإعادة بناء النظام السياسي على أسس وثقافة جديدة، وإعداد دستور جديد، .. وغيرها من المتطلبات.

 ومن زاوية أخرى فإن الأطراف الخارجية تعاملت مع إعادة هيكلة القوات المسلحة بتساهل، "فقد عجزت عن تقديم الدعم الكافي لمساعي النظام الانتقالي لإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية"[7]، الأمر الذي سمح لتحالف معارضة الهيكلة – صالح والحوثيين – بالانقلاب مستفيدين من بقاء ولاء قوات متعددة للرئيس الأسبق.

وبشكل عام فقد "ساهم الانشغال بمؤتمر الحوار الوطني قبل استكمال إعادة هيكلة قوات الجيش وأجهزة الأمن وتوحيدها تحت قيادة الرئيس الشرعي في إفشال المرحلة الانتقالية، فقد أوجد ضعفا في القيادة والسيطرة على القطاعين العسكري والأمني[8] وهو ما أسهم في زيادة تفكيك المشهد السياسي، وفاقم من التحديات الأمنية التي تعاني منها البلاد، ووفر فرصة للأطراف المناهضة للانتقال السياسي لإثارة الفوضى، ومن ثَّم استغلالها إعلامياً وسياسياً لتأجيج النقمة الشعبية على سلطة الفترة الانتقالية وإقناع الرأي العام بفشل الترتيبات السياسية التي جاءت بها المبادرة الخليجية، ومنح الحوثيين الفرصة للزحف باتجاه صنعاء، والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح[9].

وهكذا مرة أخرى، فإن التراخي في توحيد القوات المسلحة تحت قيادة واحدة كان من العوامل الرئيسية التي ساعدت على اسقاط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين، وزجت بالبلاد في جولة جديدة من العنف والاقتتال، لازالت تدفع كُلفتها حتى اليوم، وعلى الأرجح أن اليمن كان سيمضي في مسارات أخرى أقل كُلفة لو تم توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة واحدة.

 

عدم التزام الحوثيين بالملحق الأمني في اتفاق السلم والشراكة:

ويرتبط بهذا، وإن بصورة، أخرى ما يسمى اتفاق "السلم والشراكة"، وهو اتفاق تم التوقيع عليه في يوم 21 سبتمبر 2014م، وهو اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون على السلطة في صنعاء، ويبدو أن هذا الاتفاق كان أشبه بجهود اللحظة الأخيرة لتجنيب البلاد المسار الأسواء، وقد يكون - وفقا لبعض القراءات - غطاءً لإضفاء الشرعية على سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين، وذريعة لرفع المسؤولية والحرج عن الأطراف الدولية والإقليمية التي تواطئت أو تغاضت عن مضي الأحداث في هذا المسار.

وعلى الرغم من أن الحوثيين كانوا اصحاب اليد الطولى في صياغة الاتفاق، إلا أنهم رفضوا التوقيع على الملحق الأمني التابع له، وهو ملحق ينص على "إزالة جميع عناصر التوتر السياسي والأمني ... وتمكين الدولة من ممارسة سلطاتها، وضرورة بسط سلطتها واستعادة سيطرتها على أراضيها كافة، .. ونزع السلاح واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الأطراف والجماعات والأحزاب والأفراد التي نهبت أو تم الاستيلاء عليها وهي ملك للدولة على المستوى الوطني"[10]، ولم يتم التوقيع على هذا الملحق إلا في يوم 27 سبتمبر، بعد استكمال سيطرتهم على العاصمة صنعاء، وفي ظل غياب تام لمظاهر الدولة[11].

وهكذا فإن الأطراف التي تنزع إلى السيطرة على سلطة الدولة أو تريد أن تحل محلها غالبا ما ترفض التوقيع أو انفاذ الجوانب العسكرية في الاتفاقات السياسية، وهو ما يفتح البلاد على دورات عنف مؤكدة، فعدم انفاذ الحوثيين للملحق الأمني كرس تمردهم على سلطة الدولة، وفتح على اليمن أبواب الجحيم والاقتتال الممتدد حتى اليوم.

 

اتفاق الرياض:

أجهزت الأحداث المتتابعة بدء من الانقسام الذي أعقب الاحتجاجات الشعبية 2011م، وهجمات تنظيم القاعدة، واستيلاءه على عدد من المعسكرات في شرق وجنوب البلاد، مرورا بعدم اكتمال جهود إعادة الهيكلة، وانتهاء بسيطرة الحوثيين على السلطة، والعمليات العسكرية للتحالف التي ضربت ما تبقى من قوات يمنية موالية لتحالف الحوثيين والرئيس الأسبق " صالح ".

ومع تدشين الحرب الراهنة في 26 مارس 2015م، جرى إعادة تجميع وبناء الجيش اليمني، وقد تشكل من الوحدات التي كانت في مناطق بعيدة عن سيطرة الحوثيين، ومن أفراد المقاومة الشعبية في المحافظات التي كانت تدور فيها معارك ضد الحوثيين.

وبالتوازي مع تعزيز الحوثيين لقدراتهم وبناء قواتهم أثناء الحرب، كان الجيش اليمني في حالة تأسيس، ما دفع التحالف العربي إلى تشكيل كيانات عسكرية خارج سلطة الدولة، فقد تبنت الامارات العربية المتحدة تشكيل قوات أُطلق عليها "الاحزمة الأمنية" في عدن ولحج والضالع، وما يُعرف بقوات النخبة في كل من حضرموت وشبوة، وتشكيلات مشابهة في تعز، فضلا عن ألوية العمالقة وفي مرحلة تالية تم تشكيل ألوية حراس الجمهورية وألوية المقاومة التُهامية.

 وقد حظيت تلك التشكيلات العسكرية بدعم سخي من قبل دول التحالف مما وفر لها قوام بشري كبير وصل في مجملة وفقا لبعض المصادر الى (200000) ألف[12]، ومستوى تدريب عال وعتاد وأسلحة جيدة. هذا الأمر أدى إلى تعدد الأطراف التي تمتلك السلاح وتوزع التشكيلات العسكرية عليها، وهو أمر كان له تبعات ذات كُلفة عالية، فقد اشعل جولة جديدة من العنف في مدينة عدن، فقد شهدت هذه المدينة في 28 يناير 2018م ولمدة أربعة أيام اقتتال بين القوات التابعة للسلطة الشرعية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وقد ترك ذلك الاقتتال أثارا كارثية على الأوضاع في عدن وبقية المحافظات الجنوبية واليمن بشكل عام، ولم يكن أسوأ منها إلا جولة جديدة من الاقتتال الدامي اندلعت في أغسطس 2019م، وهي جولة أوسع نطاقا وأكثر ضراوة من سابقتها، فقد اتسع مسرح عملياتها ابتداء من مدينة عدن، ومرورا بمحافظة لحج ووصولا إلى محافظتي: أبين وشبوة.

ولاحتواء التداعيات التي تركها الاقتتال، دعت الرياض طرفي الصراع للاجتماع في جدة، وبعد مفاوضات استمرت من 20 أغسطس وحتى 24 أكتوبر 2019، تم التوقيع في 5 نوفمبر 2019، على "اتفاق الرياض" من قبل ممثل عن السلطة الشرعية وأخر عن المجلس الانتقالي الجنوبي، وبحضور الرئيس "عبدربه منصور هادي" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي العهد الاماراتي "محمد بن زايد" تضمن الاتفاق إجراءات مزمنة لمعالجة الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية.

ولأول مرة تضمن هذا الاتفاق حلول للانقسام في القوة العسكرية في المحافظات الجنوبية والشرقية، وانطوى على معالجات للتداعيات الناتجة عن جولة الاقتتال التي حدثت في عدن مؤخرا، فقد نص على[13]:

- عودة جميع القوات - التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019 م - إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة.

- تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن إلى معسكرات داخل عدن تحددها وتشرف عليها قيادة تحالف دعم الشرعية.

-  نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج محافظة عدن تحددها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وتوجيهها بموجب خطط معتمدة وتحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن.

-  توحيد القوات العسكرية، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال ستين يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.

-  إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع بذات الإجراءات التي طبقت في محافظة عدن، خلال تسعين يوما من تاريخ التوقيع.

وتضمن الاتفاق في الجانب الأمني خطوات مماثلة تهدف إلى إعادة تنظيم القوات الأمنية في المحافظات الجنوبية التي ليست ضمن قوائم وزارة الداخلية تحت قيادة وزارة الداخلية بذات الإجراءات التي طبقت في محافظة عدن خلال تسعين يومًا من توقيع الاتفاق.

ومع أن الإجراءات التي تضمنها اتفاق الرياض مقيدة بمدد زمنية محددة، إلا إن تنفيذ الاتفاق تعثر، وبدلا عن ذلك ازدادت الأوضاع السياسية تعقيداً، خصوصا بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ وما يسمى "الإدارة الذاتية" للمحافظات الجنوبية، ومعه اتجهت الأوضاع الأمنية نحو المزيد من التوتر وإمكانية التصعيد، مع حدوث اشتباكات بين الطرفين في خطوط التماس في محافظة ابين، والتهديد بإمكانية التعامل مع الوضع باستخدام القوة.

وهو ما اقتضى تدخلا سعوديا، فقد قدمت الرياض آلية لتسريع تنفيذ الرياض، وبعد الاتفاق عليها، وجدت الإجراءات في الجانب السياسي طريقها إلى التنفيذ، فقد تم تعيين محافظ لمحافظة عدن وتشكيل حكومة الكفاءات، وفي المقابل تعثر تنفيذ الخطوات والإجراءات في المحورين العسكري والأمني، وهو وضع يهدد المكاسب في الجانب السياسي، ويبقي الأوضاع في عدن والمحافظات الجنوبية تحت التهديد ويفتحها على مسارات قلقة.

 

تشكيل مجلس القيادة الرئاسي:

  واستمر الوضع السابق حتى تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل السلطة اليه في 7 ابريل 2022م، على نحو ما ذكرنا، وقد عُد تشكيل المجلس آلية أوسع لحل معضلة الانقسام في المكونات المسلحة، فقد ألغى من الناحية النظرية الازدواج الذي كان قائما في المحافظات الجنوبية من خلال دمج المجلس الانتقالي الجنوبي في بُنية السلطة الشرعية، كما أنه تضمن معالجة أوسع شملت كل التشكيلات العسكرية التي لم تكن مدمجة في بُنية السلطة الشرعية (حراس الجمهورية، ألوية العمالقة، الألوية التهامية، الأحزمة الأمنية ، النخبة الحضرمية وقوات النخبة بشبوة..إلخ)

ومثلما سبق فقد تضمن إعلان نقل السلطة تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية، التي تتولى إعادة هيكلة القوات المسلحة وإدماج التشكيلات المسلحة في وزارتي الدفاع والداخلية، لتوحيد الجبهة العسكرية والأمنية في مواجهة الحوثيين، وقد دشنت هذه اللجنة اجتماعها في عدن، يوم 25 يونيو 2022م، بحضور عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس الزبيدي، والذي شدد على ضرورة تكثيف الجهود وتعزيز حالة الانضباط والالتزام خلال المرحلة القادمة، وأكد على دعم القيادة السياسية الكامل لقيادة اللجنة ولجانها المتخصصة لإنجاز مهامها الوطنية المنوطة به، وفي الاجتماع تم استعراض أسماء أعضاء اللجان والفرق المتخصصة في المجالات العسكرية المختلفة، وأوضح رئيس اللجنة اللواء هيثم قاسم طاهر تشكيل لجنة تحضيرية ستتولى مهمة تحديد مهام وبرامج وخطط اللجان والفرق المختلفة، وستعمل على توفير المعلومات والوثائق المطلوبة لبدء عملها على الأرض[14].

ومع أن عمل اللجنة لن يكون سهلاً، إذ من المتوقع أن يعترضه الكثير من الصعاب والتحديات، إلا الخبرة السياسية خلال المرحلة السابقة من عمر الجمهورية اليمنية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن المسار الوحيد لتجنيب المحافظات الجنوبية والشرقية واليمن عموما جولات جديدة من الاقتتال المروع والعنف المدمر يتمثل في نجاح اللجنة الأمنية والعسكرية في توحيد ودمج التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الداخلية والدفاع وتحت قيادة مجلس الرئاسة القيادي، ودون ذلك فإن مسارات العنف قد تكون هي الأقرب.

 

الخلاصة والتوصيات

لطالما أدى عدم دمج التشكيلات العسكرية في إطار سلطة واحدة وفشل الاتفاقيات العسكرية والأمنية ذات الصلة بهذا الجانب،  إلى دورات عنف وحروب في اليمن، وفي حال فشل إدماج القوات المنضوية تحت المجلس الرئاسي حاليا فإنه قد يؤدي لحالة احتراب بين التكوينات العسكرية الموالية لكل طرف، وسيكون ذلك على حساب استقرار اليمن وتماسكه، وعلى حساب معاناة الشعب اليمني المنهك، والذي لم يعد بمقدوره احتمال جولات جديدة من العنف، كما سيكون على حساب الأمن في الإقليم والعالم، فحالة العوز ستدفع الكثير من الشباب للبحث عن مصادر رزق تبقيهم على قيد الحياة، وقد يتجهون لاختراق حدود الدول الغنية والمستقرة، أو باتجاه جماعات العنف

توصيات لصانعي السياسات:

1- الأحداث في اليمن وكثير من دول العالم توكد وبقوة على أن توزع السلاح والتشكيلات العسكرية على أكثر من طرف يفضي بالضرورة الى دورات من العنف.

2- يُمثل دمج التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية تحت مجلس القيادة الرئاسي السبيل الوحيد لتجنيب العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية دورات عنف جديدة.

3- يقع على عاتق المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة مسؤولية كبيرة بعدم القبول بانقسام السلاح في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية، وتوظيف ما تمتلكه من نفوذ وتأثير لدى مختلف الأطراف للدفع باستكمال توحيد وحدات الجيش والأمن، وتذليل التحديات التي قد تحول دون ذلك.

4- يلزم الدول المهتمة باليمن انتهاز الفرصة المثالية لإبعاد اليمن عن مسارات العنف من خلال توليد الضغوط وتوفير المتطلبات اللازمة لدمج التشكيلات العسكرية في إطار سلطة الحكومة الشرعية.

 

 


الدكتور: ناصر محمد علي الطويل

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء ومستشار مركز ابعاد للدراسات والبحوث

 

صورة الغلاف: Ali Owidha/ Reuters

 

مراجع:

[1] - البيان الختامي للمشاورات اليمنية .. الحل السياسي واتفاق الرياض أولوية، العين الإخبارية، على الرابط:

https://shortest.link/3Mc1

[2] - صدور اعلان رئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، سبأنت موقع وكالة الانباء اليمنية (سبأ)، على الرابط:

https://shortest.link/3Mck

[3] - مجلس القيادة الرئاسي يقر تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية، سبأنت/ موقع وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، على الرابط:

https://shortest.link/3DBM

[4] - سقاف السقاف، المؤسسة العسكرية والأمنية في اليمن وتحديات المرحلة الانتقالية، الجزيرة نت، على الرابط:

https://shortest.link/3DEb

[5] - للاطلاع على نص وثيقة العهد والاتفاق يتم الرجوع موقع مقاتل، على الرابط:

https://shortest.link/3Mcs

[6] - نص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، على الرابط:

https://shortest.link/3MbZ

[7]- هيلين لاكنر، انتقال اليمن "سلمياً" من الحكم الاستبدادي: هل كان النجاح ممكناً؟، على الرابط:

https://shortest.link/3Mdl

[8] - نفس المرجع.

[9] - ناصر محمد علي الطويل، ثورة 2011م وفرص الانتقال نحو الديمقراطية في اليمن، في: عبدالفتاح ماضي، وبكيل الزنداني (محرران)، الانتقال الديمقراطي في اليمن: المسارات والعوائق والآفاق، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العامة) (قيد الطبع).

[10] - للاطلاع على نص اتفاق السلم والشراكة، موقع الجزيرة نت، على الرابط:

https://shortest.link/3Wwm

[11] - الحوثيون يوقعون الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة في اليمن، روسيا اليوم، على الرابط:

https://shortest.link/3LPL

[12] - شاركت بـ 18 الف عسكري وجندت 200 الف يمني .. الامارات تعلن عودة قواتها وتكشف حصيلتها باليمن، الجزيرة نت، على الرابط:

https://shortest.link/3FpD

[13] - نص اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، وكالة الاناضول، على الرابط:

https://shortest.link/3X8Y

[14] - اللجنة العسكرية تبدأ هيكلة الجيش وأجهزة الأمن في اليمن، الخليج، على الرابط:

https://shortest.link/3WSs

نشر :