هل مخاوف الخليج بشان الملف اليمني يدفع إلى مبادرة خليجية ثانية؟

تقدير موقف | 25 مارس 2022 00:00
 هل مخاوف الخليج بشان الملف اليمني يدفع إلى مبادرة خليجية ثانية؟

 ENGLISH

PDF

ملخص:

       تأتي دعوة مجلس التعاون الخليجي لعقد مؤتمر لأكثر من 500 يمني للتشاور في الرياض، كحاجة خليجية لاستعادة زمام المبادرة في اليمن، مع شعورها بتسرب الملف من أيديها والشعور بعدم أخذ المجتمع الدولي مخاوفها بشأن الأمن القومي للخليج بعين الاعتبار،  في ظل حالة الفرز الدولي بناءً على الحرب الروسية في أوكرانيا، وانتهاج دول مجلس التعاون الخليجي مبدأ الحياد وهو ما يثير التوتر مع الولايات المتحدة والغرب. تهدف دول مجلس التعاون الخليجي لأن تكون هناك رؤية خليجية في اليمن، تحمي مصالح دولها وتهدئ مخاوفها التي طالما أثارتها في الاجتماعات المغلقة بين أعضاء المجلس، وكذلك استعادة ثقة الأطراف المحلية اليمنية ببعضها.

ستكون المشاورات كاشفاً لمدى توحد دول مجلس التعاون الخليجي إزاء القضايا المصيرية التي تؤثر عليها بما في ذلك صمودها أمام تأثير عودة الاتفاق النووي الإيراني والحرب الروسية على أوكرانيا. ومدى نجاحها مرتبط بوجود كل الأطراف المحلية وتمثيلها والثوابت التي ستنطلق من خلالها من أجل المشاورات ومخرجات هذه المشاورات وتوحيدها للصف الوطني الموالي للحكومة المعترف بها دولياً. وبدون وجود الحوثيين في هذه المشاورات قد يؤدي إلى زيادة عزلة الجماعة لكنها في نفس الوقت يستبعد حدوث سلام في اليمن دون مشاركتهم. كما أن مخرجات المشاورات والإجراءات التنموية الخليجية الملموسة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية وتوحيد أجهزتها الأمنية حافزاً لممارسة ضغط السكان على الحوثيين يدفعهم للقبول بمخرجاتها بناءً على مرحلة جديدة من المشاورات بين جميع الأطراف اليمنية والحوثيين التي باتت تعاني من العزلة أكثر ووضع اقتصادي وإنساني سيء في مناطق سيطرتها.

 

مدخل

تؤذن دعوة "مجلس التعاون الخليجي" للأطراف اليمنية للحوار في العاصمة السعودية الرياض عن مرحلة جديدة في الحرب مع دخولها العام الثامن ومع التطورات والتحولات الدولية والإقليمية.

رفض الحوثيون على الفور مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وطلبت "حواراً مع دول التحالف في دولة محايدة يركز على الجوانب الإنسانية". يرفض الحوثيون الحوار مع الحكومة اليمنية أو أي طرف يمني ابتداءً ويعتبرونهم "مارقين وعملاء يمثلون رأي السعودية والإمارات"، لذلك لم يكن رفضهم لمبادرة مجلس التعاون مفاجئاً على الرغم من حجم العزلة الذي ستعانيه الجماعة محلياً، وإقليمياً، ودولياً، قبل وعقب هذا الاجتماع.

تأتي مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي بعد نحو عام من مبادرة أطلقتها السعودية في 22 مارس/آذار2021 تقوم على عدة عناصر: وقف إطلاق النار في جميع أنحاء اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لبعض الوجهات الإقليمية والدولية، والسماح باستيراد المواد الغذائية والمنتجات النفطية؛ وفتح ميناء الحديدة مقابل أن تدفع العائدات كرواتب للموظفين اليمنيين، وبدء مشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي. وهو أمرٌ رفضه الحوثيون بالكامل.

 وأبرز المعلومات الحالية عن الدعوة الخليجية:

  • تركز على العملية السياسية، وتعزيز مؤسسات الدولة والإصلاح الإداري، إضافة للجانب الإنساني والإغاثي، والاستقرار الاقتصادي، والتعافي الاجتماعي، وربما ستناقش ماضيع عسكرية وأمنية.
  • تقام في مقر الأمانة العامة في العاصمة السعودية الرياض.
  • تقام خلال الفترة من 29 مارس/آذار2022 إلى 7 أبريل/نيسان 2022، سيشارك ما يقارب 500 يمني من مختلف الأطراف المحلية.
  • تُقام المشاورات بمن حضر.

 

لماذا جاءت الدعوة الخليجية إن كان رد الحوثي معروفاً؟

يثير الحوثيون مخاوف كبيرة على دول مجلس التعاون الخليجي، وتحتاج دول المجلس إلى رؤية موحدة تجاه الأحداث في اليمن خاصة بعد توالد الانقسامات داخل الصف الخليجي بشأن اليمن خلال السنوات السبع الماضية. ويعود ذلك إلى أمرين مهمين:

 أ) استهدف الحوثيون أبوظبي في يناير/كانون الثاني الماضي، أدى ذلك إلى إنذار في العواصم الخليجية أن الحوثيين كجماعة مسلحة أصبحت خطراً فعلياً على الأمن القومي في شبه الجزيرة العربية. امتلاك الحوثيين لهذه التقنية يجعل منهم خطراً على المؤسسات النفطية والتجارية في دول الخليج حتى في حال جرى التوصل إلى اتفاق سلام في اليمن برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

 ب) استولى الحوثيون على سفينة شحن ترفع علم الإمارات كانت تبحر في المياه الدولية في مطلع العام الحالي وسُحبت إلى ميناء الحديدة. وزاد الحوثيون من تهديداتهم باستهداف السفن وما يهدد الشحن العالمي عبر باب المندب. بما فيها تهديد بالاستيلاء على السفن التجارية وسحبها إلى المياه اليمنية.

أسباب أخرى دعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى توحيد سياستها تجاه الأخطار التي تواجهها، ويمكن اعتبار اليمن كاشفاً لمدى إمكانيتها الصمود في سياسة موحدة تجاه قضايا أخرى مثل:

 1) الاتفاق النووي الإيراني الذي اقترب بالفعل العودة إليه حسب مصادر في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وتحتاج دول الخليج إلى سياسة موحدة في التعامل مع تأثيرات هذا الاتفاق على الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية خاصة أن كل دولة في المجلس تملك سياسة منفصلة تجاه إيران.

 2) سياسة "الحياد" التي تنتهجها دول مجلس التعاون الخليجي في الحرب الروسية على أوكرانيا وإمكانية تنسيق السياسات من أجل الصمود في وجه الضغوط الغربية بشأن زيادة انتاج النفط والغاز، ودفع الغرب إلى الاهتمام بمخاوف دول المنطقة.

 

الضرورة الخليجية

وليس من الغريب أن تتقدم دول مجلس التعاون الخليجي العربية (ككيان)  بمبادرة خاصة بالأزمة اليمنية سبق ذلك "المبادرة الخليجية" في 2011 التي أجبرت الرئيس السابق علي عبدالله صالح بتسليم السلطة بعد 33 عاماً من بقاءه فيها، لنائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي. والتي جاءت في وقت كانت يمثل فيه ما عُرف بـ"الربيع العربي" واحداً من أبرز مهددات الأمن القومي الخليجي في ذلك الوقت. لذلك فإن المبادرات الخليجية تأتي في حال حدوث مهدد قوي للأنظمة الخليجية وأمن شبه الجزيرة العربية.

وتَعتبِر الحكومة اليمنية "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني- (2013-2014)- الذي جاء كمخرج من المبادرة الخليجية اثنين من ثلاثة ثوابت للسلام في اليمن إلى جانب قرار مجلس الأمن 2216 الذي يؤكد على شرعية الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.

وكان الحوثيون قد رفضوا المبادرة الخليجية في ذلك الوقت -ولا زالوا- لكنهم انخرطوا في الحوار الوطني اليمني وحصلوا على عدد كبير من المقاعد يقترب من أكبر الأحزاب المعارضة، والذي استمر 10 أشهر تحت رعاية الأمم المتحدة، وتوصل إلى اتفاقات متعلقة بالدستور وشكل الدولة. لذلك فإن الحوار سيكون قائماً بوجود الحوثيين أو بدونهم.

كما أشرنا سابقاً، فإن دول مجلس التعاون تقدم مبادراتها ككيان عندما تشعر بوجود مهددات للأمن القومي لشبه الجزيرة العربية، في مسعى لتوحيد سياستها تجاه هذه الأخطار. وهنا يدفعنا التساؤل ما الأهداف التي يريد مجلس التعاون الحصول عليها من هذه الحوار اليمني؟

1)  توحيد الأطراف: إن لم تستطع دول مجلس التعاون إنهاء الحرب في اليمن بمشاركة الحوثيين فإنها بحاجة إلى أن تقوم بإعادة توحيد الأطراف اليمنية من جديد بعد سبع سنوات وتغيّر في الفاعلين المحليين وظهور فاعلين جُدد الذين أثروا في الرؤية الخليجية تجاه اليمن بما في ذلك الحلفاء الرئيسيين (الإمارات والسعودية). ويمكن أن يحقق هذا التوحد عاملاً مساعداً لعزل الحوثيين واعتبارهم طرفاً خارجاً عن كل الأطراف والمكونات الاجتماعية اليمنية. وهو هدف مؤثر بالنسبة للسعودية والإمارات اللتان تكافحان على تأكيد "إرهابية" الحوثيين.

ليس ذلك فقط بل إن دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة لمعرفة الأطراف الرئيسية المؤثرة في الوقت الحالي، والاستفادة من التقارب العُماني السعودي الذي برز بشكل كبير في الأشهر السابقة؛ والتقارب الخليجي بعد اتفاق العُلا 2021 بعودة العلاقات السعودية الإماراتية البحرينية مع قطر؛ والانفتاح المتنامي بين دول مجلس التعاون؛ من أجل تحديد هذه الأطراف وأهميتها والخروج بتصور لإنهاء الأزمة.

قد يشمل الاجتماع ممثلين عن "حزب المؤتمر" في صنعاء الذي يقوده صادق أمين أبوراس والذي ظل موالياً للحوثيين، وعاش هذا الفصيل من الحزب خلافات كبيرة وواسعة مع الحوثيين خلال العامين الماضيين مع اعتقال المئات من أعضاء الحزب ومصادرة أملاكهم. حيث صدر بيان الحوثيين الرافض للاجتماع في الرياض دون الإشارة إلى موقف حزب المؤتمر في صنعاء.

2) إبقاء الملف اليمني في الإقليم: تشعر دول مجلس التعاون أن الملف اليمني أصبح يتسرب من المنطقة (شبه الجزيرة العربية)، باتجاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والضغط الأوروبي. لذلك تريد استعادة الخيوط مجدداً في أيديها حتى لا تستخدم في إطار الملفات الأخرى الحرب الروسية في أوكرانيا، والاتفاق النووي الإيراني. تريد إبقاء خصوصية هذا الملف.

ويبذل المبعوثان هانس غروندبرغ الأممي وتميوثي ليندركينغ الأمريكي، والسفراء والمبعوثون الأوروبيون، جهوداً من أجل تقديم تصورات لحل شامل للحرب في اليمن لا يبدو أن الخليجيين يشعرون أنه يعالج مخاوفهم المتعلقة بالأمن القومي وسحب سلاح الحوثيين الثقيل والمتطور، وتفكيك التسلسل الهرمي من كونها "ميليشيا مسلحة" وتحولها إلى مكون سياسي كباقي المكونات. لا يعالجون مخاوف الخليجيين من تحوّل الحوثيين إلى "حزب الله" جديد في جنوب شبه الجزيرة العربية، ويريدون فقط إخماد الحرب في اليمن دون خصوصية الحالة أو معرفة تأثيرها المستقبلي.

يرى المسؤولون في الخليج أن بالإمكان معالجة أسلحة الأطراف الموالية للحكومة (المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات "طارق صالح" المدعوميّن من الإمارات وآخرين)، مقارنة بالحوثيين الذين لا يوجد ضامن أو دولة قادرة على تفكيكهم. يُصّر الإيرانيون في اجتماعاتهم بالسعوديين والأجانب أنهم غير قادرين على القيام بذلك ولا يملكون تلك السلطة الكبيرة على الحوثيين؛ كان السعوديون ودول أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة يرون أن سلطنة عمان قادرة على الضغط على الحوثيين لقبول اتفاق سلام[1]، لكن خلال 2021 ودخول سلطنة عمان كوسيط بشكل مباشر لم تتمكن من الضغط على الحوثيين وفشل المسؤولون العُمانيون في أن تكون مسقط قادرة على استخدام جانبها للضغط على الجماعة المسلحة. العُمانيون أنفسهم لم يكونوا متوقعين ردة فعل الحوثيين تجاه جهودهم وزيارتهم إلى صنعاء ولقاء قيادات الجماعة.

تبعث اجتماعات الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان والذي يهدف لعقد مؤتمر/اجتماع/ أوسع لأصحاب المصلحة والمجتمع المدني بهالة من الخوف في أعين الخليجيين بتصور الأمم المتحدة والولايات المتحدة للحل الشامل في اليمن. ويأتي هذا الاجتماع لاستباق ما يمكن أن يحدث المؤتمر الذي تستعد الأمم المتحدة والولايات المتحدة لعقده، الذي قد يسحب البساط بالفعل من دول مجلس التعاون[2]. ورحبت الأمم المتحدة بشكل باهت بالاجتماع الذي تحضر له الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، وتعتقد الأمم المتحدة أن هذا الاجتماع يؤثر على جهودها المدعومة من المجتمع الدولي  بالاجتماعات في عمّان بالأردن[3].

3) العلاقات الأمريكية-السعودية: يريد مجلس التعاون تجنب أن يتحول الملف اليمني إلى ورقة مساومة غربية في الحرب الأوكرانية-الروسية، مقابل دعمها في اليمن ترفع السعودية من انتاج النفط- على سبيل المثال- وخلف الرياض تنظم باقي دول مجلس التعاون. كما لا تريد أن تتحول موسكو إلى داعم للحوثيين ضد الإرادة الغربية في حال وقفت دول مجلس التعاون الخليجي مع الغرب. تريد إبقاءه في إطاره الإقليمي ويُحل على هذا الأساس.

ويخطط وزير الخارجية الأمريكي طوني بلينكين إلى زيارة الرياض وأبوظبي -هي الأولى كوزير خارجية - خلال شهر مارس/آذار 2022. حيث تواصلت الخارجية الأمريكية مراراً مع الخارجية السعودية لتحديد موعد لكن يجري التأجيل بسبب تطورات الأحداث في أوكرانيا، والموقف الخليجي تجاه سياسة إدارة بايدن[4]. ورفضت الخارجية السعودية زيارة "بلينكين" في ظل تصاعد التوتر بين البلدين.

يرغب المسؤولون السعوديون وباقي دول مجلس التعاون الخليجي أن لا يصبح الملف اليمني ملفاً للابتزاز، وتحتاج إلى إبقاء الملف في إطار المنطقة حتى لا تستخدم الخلافات الخليجية كورقة أخرى في هذا الملف الحساس بالنسبة لأمن شبه الجزيرة العربية.

يشير بعض المعلقين اليمنيين والأجانب إلى أن هذا الاجتماع يشبه إلى حد كبير "اجتماع الرياض" في بداية التدخل العسكري الداعم للحكومة المعترف بها دولياً في 2015م، وفي الحقيقة أن ذلك الاجتماع كان تأكيداً على ترحيب اليمنيين بتدخل التحالف. لكن في هذا الاجتماع يبدو الأمر أوسع بكثير من ذلك إلى بناء تصور ورؤية لإنهاء الأزمة والحل السياسي في البلاد في إطاره الإقليمي (شبه الجزيرة العربية)، فيما يشبه إلى حد كبير "المبادرة الخليجية".

تأتي أهمية هذا الاجتماع أيضاً إلى أن بالإمكان إصداره -لاحقاً- في قرار من مجلس الأمن الدولي الذي وصف الحوثيين في 28 فبراير/شباط2022م ب"الجماعة الإرهابية". ويصدر به آلية تنفيذية كتلك التي رافقت المبادرة الخليجية، ويلزم المبعوث الأممي أو أي مبعوث آخر ينشط في الملف اليمني بنتائج هذا الاجتماع.

تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من الوضع الدولي الراهن في مجلس الأمن الدولي. واستخدم ذلك في القرار 2624 الذي وصف الحوثيين للمرة الأولى بكونهم "جماعة إرهابية"، وتبعه ذلك بإضافة الحوثيين إلى قوائم العقوبات في الاتحاد الأوروبي.

 

تأثيرات ومخاوف

أ‌) مبادئ السلام الجديدة: تقوم مبادرة مجلس التعاون الخليجي على أساسين رئيسيين: الاعتراف بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دولياً (بناءً على قرار مجلس 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية)، كما أنه يعترف بالأطراف المحلية كأطراف وازنة وليس بحجم سيطرتها ونفوذها على أرض الواقع.

قد يدفع ذلك الحوثيين إلى تغيير سلوكهم الذي يريد السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي قبل الدخول في مشاورات. ويوقف مبدأ الأمم المتحدة للحل الشامل القائمة على حجم تأثير الأطراف في المرحلة المقبلة لليمن بناءً على سيطرتها العسكرية في أرض الواقع. وإذا ما صدر قرار من مجلس الأمن بها فإنها ستكون ملزمة، ويؤسس لثابت جديد يضاف إلى الثوابت السابقة التي تتمسك بها الحكومة المعترف بها دولياً.

قد تؤدي هذه المشاورات إلى محاولات لإعادة صياغة رؤى الأطراف اليمنية للحل السياسي بعيدا عن الحسم العسكري، وفق تطورات الأوضاع على الأرض، لكنه من المستبعد أن تقود هذه المبادرة إلى أية حلول طالما أصرت جماعة الحوثي رفض التفاوض مع اليمنيين والمشاركة في المشهد.

ب‌)  معالجة مخاوف الخليجيين وفقدان الثقة المحلية: يعالج الاجتماع وفق مبادرة مجلس التعاون الخليجي (ككيان) مخاوف دول المجلس من سيطرة أحد الأطراف اليمنية على المرحلة الانتقالية للبلاد، وهو أمرٌ دائما ما أثارته الإمارات وقطر وسلطنة عمان في المشاورات الداخلية، ومن حجم نفوذ هذه الأطراف وتأثيرها على الأمن الفردي لها[5]. كما أنه يعالج فقدان الثقة بين الأطراف اليمنية التي تشعر أن طرفاً وآخر يسعى لاستبعادها بالكامل من أي مستقبل في المرحلة الانتقالية للبلاد بعد انتهاء الحرب فتظل متمسكة بحقها في القِتال، وفي تجنب مواجهة الحوثيين حفاظاً على قوتها لمرحلة بعد الحرب من محاولات الإقصاء وأحياناً تفكيرها بمؤامرة "الاجتثاث".

ج) مخاوف شرعية جديدة: تأتي المخاوف من أن الاجتماع يؤسس لحالة من الشرعية الجديدة في اليمن، تضاف إليها الأطراف الجديدة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات "طارق صالح" وفرقاء حزب المؤتمر الشعبي العام بعد مقتل "صالح" على يد الحوثيين. وهي مخاوف مشروعة بالفعل لكن من المبكر الحديث عن شرعية جديدة في البلاد إذ لم تنتهي الحاجة لمشروعية تدخل التحالف العربي ولا زالت المعارك مستمرة ضد الحوثيين، وقد تتزايد المعارك بعد انتهاء الاجتماع إذا يقيم تحالفاً سياسياً جديداً قادراً على المواجهة وفق المعطيات الجديدة من اعتراف الحكومة الشرعية ودول الإقليم بهذه الأطراف.

كما أن دول الخليج في ظل الأوضاع الدولية الحالية والحرب الأوكرانية-الروسية في موقف أقوى من ذي قبل بشأن الحرب في اليمن ودفع الغرب إلى تبني خياراته الحامية للأمن القومي في شبه الجزيرة العربية، والأمن الدولي للملاحة والنفط العالمي خاصة بعد استهداف الحوثيين لمنشآت النفط السعودية وتحذير السعودية من أن ذلك قد يؤدي إلى توقف إنتاج النفط.

أخيراً، ليس أمام مجلس التعاون الخليجي إلا النجاح في هذه المهمة، الفشل فيها يعني مرحلة مقلقة للأمن الإقليمي، ودفع الملف إلى أيدي الآخرين خارج الإقليم لإيجاد حلول وسط قد تمثل مشكلة مؤجلة على المدى القريب، وأزمة مستفحلة في المدى المتوسط، وربما فشل لاستراتيجية الخليج المستقبلية.

 

فرص نجاح المشاورات

تقدم الأطراف اليمنية دعوة مشاركتها في المشاورات بناءً على اشتراطات، فالحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي اشترطت أن تكون تحت ظل مرجعيات الحل الثلاث، وهو ما ترفضه جماعة الحوثي منذ سنوات مع رفض واضح للمشاركة في مشاورات بين الأطراف اليمنية تستضيفها الرياض، مؤكدة على رغبتها في عقد مثل هذه المشاورات في بلدٍ "محايد لم يشارك في الحرب"، ومن المستبعد أن يوافق دول مجلس التعاون الخليجي على هذا الطلب. كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي يرفض أيضاً المرجعيات الثلاث.

ويمكن الإشارة إلى عدة أمور تتعلق بنجاح وفشل المشاورات:

-   بالنظر إلى المبادرة الخليجية بين الأحزاب اليمنية (الاجماع اليمني في ذلك الوقت) والرئيس اليمني علي عبدالله صالح (قتله الحوثيون في 2017) وافق عليها بعد 6 أشهر على إطلاقها، في سياق ما شكلته من مرجعية دولية وإقليمية لحل الأزمة آنذاك، بالإضافة إلى حالة الإجماع شبه العام عليها من القوى السياسية المحلية اليمنية. وشكلت تلك المبادرة مخرجاً مهماً للأزمة في البلاد في ذلك الوقت.

لا تملك الأطراف اليمنية -الموالية للحكومة- الكثير من الأوراق دون وجود دعم من التحالف العربي (السعودية والإمارات) ودول الخليج في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب؛ قد تمثل هذه الرؤية الخارجة من المشاورات توحيد لرؤى الأطراف اليمنية نحو منهجية واحدة للتعاطي كمرجعية موحدة لهم ولن تتم دون موافقة وإشراف خليجي بدول أعضاءه، وعلى أساسها سيجري التفاوض مع الحوثيين كطرف يضاف لها لاحقاً بجهود من الأمم المتحدة والضغط الدولي.

- مخرجات هذه المبادرة هي ما ستشجع الحوثيين على مراجعة موقفهم؛ وتأكيد أن استثمار إيران في تباين سياسات مجلس التعاون لتقوية وجودها داخل الحوثيين قد يؤدي إلى نهاية ربما لا تكون حاسمة لكنها على المدى المتوسط يشير إلى أن الملف يبقى في شبه الجزيرة العربية لا على ضفتي الخليج العربي.

يعيش الحوثيون في حالة ضغط مضاعف محلياً مع الانهيار الاقتصادي الكبير، وانعدام المواد الأساسية وإن وجدت يصعب شراءها من قِبل السكان. الأوضاع الإنسانية في مناطق الحوثيين هي الأسوأ من سنوات وستزداد سوءاً خلال الأسابيع القادمة. وتحتاج اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي من أجل انقاذها من مجاعة محققة. لم تتمكن الأمم المتحدة من الحصول على تمويل كافي لإنقاذ الحيوات في اليمن في مؤتمر المانحين الأخير، ولم تقدم السعودية والإمارات أموالاً فيه للمرة الأولى منذ بدء عمليات التحالف العربي 2015.

لذلك فإن الحوثين يعرفون أن الابتعاد عن مجلس التعاون رهان خاطئ سيؤدي إلى استهداف الجماعة محلياً ودولياً مع تأثر السكان بالأوضاع الاقتصادية الدولية.

كما أن المشاورات بحد ذاتها تدفع باقي القوى الأخرى التي تواجه الجماعة المسلحة المدعومة من إيران إلى استيعاب مكامن قوتها وضعفها وتستوعب الخسارات والاخفاقات السياسية والعسكرية والاجتماعية خلال سنوات الحرب.  

-  يمكن أن تستثمر بعثة الأمم المتحدة لدى اليمن جهودها الحالية في عمّان والذي أنهى أسبوعه الثالث في 24 مارس/آذار في دعم المبادرة الخليجية الثانية، بتقديم رؤى الأطراف الذي جرى مقابلتها خلال تلك الفترة، لتسهيل التداول في تلك المشاورات. تمثل مبادرة الأمم المتحدة لهدنة في رمضان لوقف القتال دافعاً للحوثيين للتشاور بشكل أكبر مع اليمنيين.

تجري جماعة الحوثي اتصالات في مستوى جيد مع المسؤولين السعوديين منذ أسابيع رغم هجمات الجماعة المسلحة على منشآت النفط يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من المشاركة الحوثين خلال أو بعد الخروج بالنتائج[6].

قد تنجح المشاورات جزئيا وتعتمد كثير على أن تحقق مخرجاتها رؤية وطنية شاملة توحد الأطراف اليمنية في مرحلة انتقالية وعدم استخدام السلطة والدولة كغنيمة. واحتواء الأزمات والخلافات الداخلية في الصفوف الوطنية. ورؤية كافية لنهوض التنمية والاقتصاد اليمنيين. وإذا رفض الحوثيون الدخول في المشاورات أو اللحاق بمخرجاتها فإن حدوث تنمية قوية وكبيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بما في ذلك دعم العملة الوطنية والاقتصاد، يمثل حافزاً وضغطاً من السكان على الحوثيين وفي ظل الأوضاع الحالية فإن قدرتهم على امتصاص هذا الضغط تبدو ضئيلة بالنظر إلى سلوك الحوثيين خلال سنوات الحرب الماضية.

مراجع:

[1] دبلوماسي غربي مرتبط بالملف اليمني تحدث لباحث مركز أبعاد في 15مارس/آذار2022 عبر الهاتف مفضلاً عدم الكشف عن هويته.

[2] دبلوماسي في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي مطلع على المشاورات بشأن اليمن تحدث لباحث في مركز أبعاد في 16 مارس/آذار2022 خلال حديث جانبي لاجتماع في الرياض شمل صحفيين يمنيين.

[3] دبلوماسي يمني مطلع على المشاورات في عمّان تحدث لباحث في مركز أبعاد في 19 مارس/آذار 2022 وهو ما دفع الحكومة لإرسال تطمين لمكتب المبعوث الأممي أن هذه الاجتماعات في دول مجلس التعاون تأتي دعماً لجهود المبعوث الأممي.

[4] دبلوماسي في الخارجية السعودية مطلع على المحاولات الأمريكية لزيارة الرياض تحدث لـباحث في مركز أبعاد في 08 مارس/آذار2022.

[5] دبلوماسي خليجي، مصدر سابق.

[6] مسؤول رفيع في جماعة الحوثي المسلحة تحدث لباحث في مركز أبعاد في صنعاء يوم 23 مارس/آذار 2022.

نشر :