مشاريع متصارعة في جنوب اليمن.. الانفصال والحكم الذاتي والفيدرالية

جيوبولتك | 7 مايو 2017 00:00
 مشاريع متصارعة في جنوب اليمن.. الانفصال والحكم الذاتي والفيدرالية

ملخص تنفيذي:

منذ انطلاق مسيرة الحراك الجنوبي في 2007 تغير واقع المحافظات الجنوبية التي تعرضت للتنكيل والظلم والاضطهاد من قبل نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ورغم الدعوات للكفاح المسلح من قبل تيارات تشكلتبعد حرب صيف 1994م خارج اليمن، إلا أن الحراك الجنوبي اختار السلمية لمناهضة الاقصاء ضد الكوادر العسكرية والمدنية كجزء من تداعيات انتصار قوات صالح على قوات نائبه علي سالم البيض الذي أعلن الانفصال .

ومع انطلاق الربيع العربي ساهم الحراك الجنوبي بفاعلية في الثورة السلمية التي انطلقت ضد نظام صالح في فبراير 2011م، حتى جاءت المبادرة الخليجية بأول رئيس جنوبي يحكم من صنعاء، ولكن سرعان ما حول النظام محافظات الجنوب إلى ميدان توسع لجماعات الإرهاب، وما إن سقطت العاصمة صنعاء بيد الحوثيين حتى تحولت عدن مرتعا خصبا لانتقام صالح من خليفته هادي.

بعد تدخل التحالف العربي الذي شارك بفاعلية في تحرير المحافظات الجنوبية ظهرت ثلاثة مشاريع جنوبية متناقضة بعضها تأثر بحالة الكفاح المسلح ضد جماعة صالح والحوثي، وبعضها ينظر بترقب لمصالح الخليج وآخر ينشد دولة تحقق مصالح الجميع.

فمشروع الانفصال المتدرج الذي قاده عيدروس الزبيدي وعبر عنه في ما سمي بـ( إعلان عدن التاريخي) يرى أن الوقت مناسب للبدء في اجراءات استعادة الدولة الجنوبية من خلال مجلس حكم سياسي، لكن يصطدم هذا المشروع بمشاريع اخرى مثل رؤية حضرموت المستقلة ورؤية الخليج للأمن القومي واصطدامه مع مشروع الدولة الاتحادية التي يقودها الرئيس هادي.

أما مشروع الاستقلال الحضرمي أو الحكم الذاتي لحضرموت فهو مشروع أكثر قدرة على الوقوف من المشروع الأول لأنه يمتلك عوامل قوة أهمها الموارد الاقتصادية ومراعاته لخلق توافق في إطار مكونات المجتمع الحضرمي، لكن ايضا هناك عراقيل لهذا المشروع تتمثل في أن الاستقلال أو الحكم الذاتي يشبهان مشروع الانفصال وإن كان الأمر يتعلق بحضرموت فقط ولذلك فهو يحتاج لقراء واقعية للوضع ولرؤية التحالف العربي للأمن القومي للخليج ، كما أنه يصطدم بمخرجات الحوار الوطني التي وضعت حضرموت في اطار اقليم مع محافظات أخرى، وتشكيل جيش مستقل للمحافظة كما نص عليه بيان مؤتمر حضرموت الجامع يعد استقلالا عن الدولة اليمنية.

المشروع الثالث هو مشروع الدولة الاتحادية الذي يقوده الرئيس عبد ربه منصور هادي ويتمثل في تطبيق مخرجات الحوار الوطني لإقامة فيدرالية من عدة أقاليم تكون صلاحياتها واسعة في اتخاذ القرار الاقتصادي والتنموي لمحافظاتها .

توصي هذه الدراسة الحراك الجنوبي باعادة ترتيب أولويات المرحلة بحيث يكون هناك أولوية لتقديم خدمات لمواطنين وإسقاط الانقلاب وتحقيق الأمن القومي للمنطقة.

كما توصي التحالف العربي باعتماد رؤية موحدة في الجنوب وتجنيبه ملامح الحرب الأهلية وعمل استراتيجية تمنع نفاذ إيران إلى اليمن ودعم دمج التشكيلات المسلحة بالدولة.

وتوصي الحكومة الشرعية بالتسريع من تحقيق استراتيجية اقتصادية وتفعيل أدوات الدولة بتنسيق كامل مع التحالف العربي.

 

مقدمة

كان جنوب اليمن دولة (اشتراكية) مستقلة حتى عام 1990 عندما انخرطت القيادة السِّياسية في وحدة اندماجية مع "الشمال" بعد خروجها من حرب أهلية مدمرة عام 1986م. لكن تلك القيادة سرعان ما حاولت الانفصال مجدداً في 1994م، وبعد حرب دموية بينها وبين القيادة المركزية التي كانت تمثل الشمال وبعض من الجنوب بَقت الوحدة اليمنية لكنها ضلت تحمل آلاماً ومظالم كبيرة بعد إقصاء وتهميش نظام علي عبدالله صالح للجنوبيين مدنيين وعسكريين من كل مؤسسات الدولة المركزية.

خرجت المظالم مجدداً على شكل  حراك سياسي سُمي بـ"الحراك الجنوبي" الذي أعلن عن تأسيسه من قبل ما سمي بجمعيات المتقاعدين العسكريين في 7 يوليو من العام 2007، والذي اتخذ من النضال السلمي طريقاً لنيل حقوق المواطنين في المحافظات الجنوبية.

كان الحراك الجنوبي وهو يسير مظاهرات احتجاجية يتعرض للقمع والتشويه من قبل نظام صالح الحاكم، رغم ان التظاهرات كانت تحمل لافتات مطلبية في بدايتها لتصحيح أوضاع الجنوبيين وإعادتهم إلى وظائفهم مدنيين وعسكريين بعد قرارات بإقصاء الآلاف من مؤسسات الدولة بعد حرب صيف 1994م. ولم يبرز وقتها أي دعوات للانفصال من الحركات الاحتجاجية في الداخل عدا الحركات الموجودة خارج البلاد مثل حركة الجبهة الوطنية للمعارضة الجنوبية (موج)، وحركة تقرير المصير ( حتم) اللتين تأسستا في 1997م ، و التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) الذي تأسس في 2002م.
 

خلفية تاريخية:

بدأت المطالب الإصلاحية والحقوقية للجنوبيين منذ ما بعد حرب "صيف 1994م" لكنها بدأت تأخذ شكلاً منظماً في الداخل بعد ذلك بسنوات، مثل تأسيس اللجان الشعبية والدعوة لإصلاح مسار الوحدة التي أسسها كلا من حسن باعوم ومحمد حيدرة مسدوس عام 1998م([1]). لكن معارضة الخارج بدأت بالمطالبة بفك الارتباط منذ ما بعد الحرب تماماً لكن تأثيرها في الداخل كان ضعيفاً. ولم تشتد وتيرة الاحتجاجات حتى 2006م عندما أعلن عن مهرجان التصالح والتسامح (في 13 يناير/كانون الثاني وهو ذات التاريخ لاندلاع الحرب الأهلية 1986) وفي يوليو/تموز2007م، بدأ تصاعد الحراك الجنوبي على يد جمعية المتقاعدين العسكريين والمدنيين التي استمرت بالمطالبة بإنهاء سياسة الرفض والإقصاء والتهميش والفساد والتدهور المستمر في الأحوال المعيشية، وتصحيح أوضاع المتضررين من حرب صيف 1994م.

واجه علي عبدالله صالح تلك الاحتجاجات بـاستخدام "القمع المفرط" والاعتقالات والتشويه المتعمد والاتهامات بالإنفصال، فلم يكن "صالح" يريد الاستماع لأي مطالب في ظل استمرار مشروع توريث السلطة في العاصمة صنعاء، فيما حركات الخارج ظلت بعيدة عن مطالب المحتجين في الشوارع والذين يتعرضون للقمع المتواصل والاستهداف المستمر فقد تحركت للمطالبة بما أسمته ( فك الارتباط) ، وعندما ارتفعت وتيرة "القمع" زاد غضب الشارع ومع حِدّة اتهامات هوياتيه ومناطقية بـ"الإنفصال" حوّل صالح المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية لتصبح "القضية الجنوبية" قضية تقرير مصير لدولة وشعب وهو ما فاقم الوضع في الجنوب مع التموضع الجديد في ظل وجود معارضة ضعيفة وقليلة الخبرة.

،،

عندما ارتفعت وتيرة "القمع" زاد غضب الشارع ومع حِدّة اتهامات هوياتيه ومناطقية بـ"الإنفصال" حوّل صالح المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية لتصبح "القضية الجنوبية" قضية تقرير مصير لدولة وشعب

،،

تصاعد الوضع في المحافظات الجنوبية مع انهيار واضح في خدمات الدولة، واستمرت السلطة في أدائها العنيف والسيئ ضد مطالب المواطنين في تلك المحافظات، بل تحولت بعض المحافظات الجنوبية إلى ساحات مفتوحة للارهابيين برر صالح تحركاته العسكرية فيها تحت لافتة مكافحة الإرهاب ، حتى خرج اليمنيون إلى ساحات التغيير عام 2011م، فتحول الحراك الجنوبي ايقونة من أيقونات الثورة السلمية واصبح جزء من ثورة الشباب المطالبة بالتغيير السلمي.

 لقد تحولت معظم مطالب الحراك الجنوبي إلى مطالب شعبية تمت معالجتها في مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد بين (مارس/آذار 2013م) و (يناير/كانون الثاني 2014م) ليكون تنفيذها ضمن دولة اتحادية من ستة أقاليم، ومن أهم معايير تشكيل مؤتمر الحوار الوطني والحكومة هو تمثيل أبناء الجنوب بنصف المقاعد في جميع الحصص الحزبية والفئوية إلى جانب حصة الحراك الذي أعطي له مقاعد خاصة جنوبية كما الحوثيين أعطوا مقاعد خاصة شمالية .

عقب ثورة التغيير السلمية وإسقاط علي عبدالله صالح وعائلته عبر المبادرة الخليجية التي أوصلت نائبه عبدربه منصور هادي (شخصية جنوبية) إلى السلطة واعتباره مرشحاً توافقياً من كل الأطراف ، جرى انتخابه رئيساً للبلاد في فبراير/شباط2012م.

قبلها أعلن عن حكومة وفاق يرأسها محمد سالم باسندوة (وهو شخصية جنوبية أيضاً)، لكن حركات الخارج سواءً التي خسرت السلطة بعد الحرب الأهلية 1986م أو التي خسرت حرب 1994م جيشت الشارع الجنوبي من أجل مطالب الانفصال، وبدأت مرحلة جديدة من التسلح ساهم معها سيطرة أذرع علي عبدالله صالح واحتفاظ أقرباءه بمناصب في الجيش على توسيع رقعة الخروقات الأمنية وتجاوز الأمر إلى السماح لتنظيم القاعدة بالسيطرة على مناطق شاسعة في المحافظات الجنوبية، وحاولت سلطة هادي الشرعية أن تستعيد تلك المناطق في أكثر من حرب أهمها حرب اسقاط (إمارة جعار الاسلامية)التي شكلها تنظيم القاعدة في أبين 2012م.

في 21 سبتمبر/أيلول سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وأسقطوا الدولة اليمنية وطاردوا زعمائها إلى المحافظات الجنوبية وانطلقت عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية مع عشر دول أخرى عربية وإسلامية من ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمثل القوة الثانية في التحالف بعد الرياض، وتهدف العملية إلى إعادة الشرعية اليمنية إلى صنعاء واستعادة السلطة من الحوثيين.

 قامت قوات التحالف -معظمها من الإمارات- معتمدة على كتلة صلبة من أبناء عدن بتحرير محافظة عدن من الحوثيين في يوليو/تموز 2015م، وتولت الإمارات مسألة تدريب جنود جُدد وبناء قوة جديدة لحفظ الأمن ومواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتحرير بقية المحافظات الجنوبية من الحوثيين، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الإمارات دربت (30 ألفاً)([2])!

 

المشاريع الثلاثة

بعد تحرير عدن تم تدريب القوات اليمنية الجديدة، ولم تُبنى عَقيدة القوات على أسس وطنية جامعة بل على أسس هوياتيه وفئوية وأحياناً شخصية، وظهرت القوات تحت مسميات مختلفة "قوات النخبة الحضرمية" "قوات النخبة الشبوانية" و"قوات الحزام الأمني" في كل محافظة على حِده، ولم يتم دمج هذه القوات ضمن قوات "وزارة الدفاع" أو "وزارة الداخلية" ولكن تخضع لنفوذ قادة يتلقون أوامرهم مباشرة من غرفة عمليات إماراتية غير مرتبطة بعمليات التحالف أو الشرعية اليمنية.

وعلى ضوء هذه القوات نشأ "صراع القوة" بل ورفض أوامر القيادة السِّياسية بما فيها أوامر الرئيس اليمني ذاته،([3]) إضافة إلى حالة الارتباك التي تعاني منها الدولة ومحاولتها احتواء الكُل بتوزيع المناصب السِّياسية والأمنية تارة لإرضاء أطراف داخلية وأخرى لأطراف خارجية، وتمثّل أمام اليمنيين اليوم في المحافظات الجنوبية ثلاثة مشاريع:

أ‌.       الانفصال المتدرج بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي.

ب‌.   الاستقلال الحضرمي أو الحكم الذاتي في إطار الفيدرالية بقيادة محافظ حضرموت أحمد بن بريك .

ج - الدولة الاتحادية وهو النموذج الذي يدعمه الرئيس عبد ربه منصور هادي.

 

 

أولاً: مشروع الانفصال المتدرج :

هذا المشروع بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي وبدعم من بعض أطراف التحالف وقوى دولية أخرى سعى إلى استغلال تحرير المحافظات الجنوبية قبل المحافظات الشمالية لفرض واقع جديد يتمثل في الانفصال المتدرج لكل المحافظات الجنوبية وصولا إلى استكمال بنية كل المؤسسات بالذات البنك والاتصالات والأمن والنفط .

بدأ هذا المشروع منذ وقت مبكر من منتصف عام 2016م، وتم تجاهله من القيادة اليمنية التي عادت إلى عدن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بصفتها عاصمة البلاد المؤقتة، لكنه انكشف عندما زادت حِدة المظاهر التي تستهدف الهوية اليمنية الجامعة كاستهداف المواطنين الشماليين والقيام بعمليات ترحيل لهم ومداهمة ومصادرة أملاكهم وأموالهم.

 هذا المشروع ظهر بشكل اكثر وضوحا عندما تبنى سياسة عداء لقيادة الشرعية اليمنية، وفي فبراير/شباط 2017م مُنع الرئيس عبدربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن الدولي واضطر إلى الانتقال إلى جزيرة سقطرى، بأوامر من قيادة الحزام الأمني في مطار عدن، وبعد عودة الرئيس اليمني إلى عدن قام بعّزل قائد القوة الموجودة في المطار وتدخلت طائرة مروحية تابعة للتحالف (إماراتية) - للمرة الأولى- ضد قوة الحماية الرئاسية التي وصلت قرب مطار عدن بعد رفض قائد القوة قرار الرئيس بإقالته وتعيين قائد عسكري آخر بديلاً عنه.

تصاعدت حِدة الخلافات ذلك الشهر بين الرئيس هادي وأبوظبي وبعد تدخل من المملكة العربية السعودية تم تهدئة التوترات بشكل عام لكنها سرعان ما عادت بعد إقالة الرئيس اليمني في 27 إبريل/نيسان "عيدروس الزبيدي" من منصبه كمحافظ لعدن، و"هاني بن بريك" مسؤول قوة الحزام الأمني ووزير الدولة وإحالة الأخير إلى التحقيق.

فقد عيّن هادي بديلاً عن الزبيدي، مستشاره "عبدالعزيز المفلحي" وهو شخصية جنوبية تحظى بتوافق في عدن. ولم يصدر رد من "الزبيدي" و"بن بريك" حول إقالتهم من مناصبهم حتى يوم الرابع من مايو/آيار 2017م حين ظهر الزبيدي في ساحة العروض في تظاهرة للآلاف ترفض قرارات هادي وجاء في البيان الصادر عن التظاهرة والذي سُمي "بيان عدن التاريخي" تكليف "الزبيدي" برئاسة "قيادة سياسية جديدة" لإدارة الجنوب يختارها الزبيدي بنفسه ويملك الحق في استخدام أي إجراءات لتنفيذ ما جاء في البيان والذي يشير إلى استعادة الدولة الشطرية.

ويعني ذلك - ضمناً- استقلال قرارها عن قرارات الحكومة الشرعية، وتعتقد أن بإمكانها إعلان الدولة بتوافق شخصيات مختزلاً رأي الجنوبيين ببيان وليس بناءً على استفتاء أو دراسة الحالة السِّياسية العامة في الدولة المنفصلة، وتقدير حجم التداعيات؛ وهو ما يشير إلى أن تلك حالة غَضب عابر لا تعبر عن رؤية حقيقية للأمور أو مساراتها المعقدة في ظل احتراب مدمر مستمر منذ أعوام.

،،

مشروع الانفصال دعم من التحالف العربي أم لم يدعم قد لا يؤدي إلى انفصال كامل في ظل تباين واضح بين المكونات الجنوبية ولكن سيؤدي بالتحالف في نهاية المطاف إلى الغرق في مستنقع من الدم واستنزاف كبير يحقق استراتيجية إيران في المنطقة

،،

سبق أن قام "الزبيدي" بتحركات مماثلة ظهرت للعلن في سبتمبر/أيلول الماضي لتأسيس "مجلس جنوبي" أو "كيان جنوبي" وتعاملت القيادات الجنوبية بحذر مع دعوات تشكيل المجلس، ففي حين رحب به نائب الرئيس الأسبق، علي سالم البيض و دعا القوى الجنوبية بلا استثناء إلى الابتعاد عن أي خلافات جانبيه ودعمه، قال مستشار الرئيس هادي ورئيس الوزراء الأسبق، حيدر العطاس، إن المرحلة هي لـ"استعادة الكيان والسيادة" ولا مجال فيها للتنافس الحزبي البرنامجي، داعيا لعدم الاستعجال بل التأسيس الجيد للمرحلة ، في رفض ضمني للفكرة. وكان شهر سبتمبر/أيلول والأشهر الثلاثة التالية صاخبة في أبوظبي إذ أن لقاءات عِدة لقيادات جنوبية بينهم محمد علي أحمد، وعلي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس، إلى جانب أحمد بن فريد الصريمة وصالح بن فريد العولقي. ولايبدو أن نتائج تلك الاجتماعات وصلت إلى أي صيغ مشتركة للحصول على رؤية جنوبية موحدة في "حركات الخارج"، كما أن الزبيدي حاول أن يحشد داخلياً بلقاءات ضمت اللواء الزبيدي والخضر السعيدي محافظ ابين وناصر الخبجي محافظ لحج وفضل الجعدي محافظ الضالع، ورغم الترحيب بالفكرة إلا أن الجميع كان متخوفاً منها([4]).

كما أن الحشد في "ساحة العروض" بخور مكسر من أجل دعم "الزبيدي" وتفويضه لرئاسة مجلس يقوم بتشكيله، كان أقل بكثير من المتوقع([5]). ما يعني أن الشارع يخشى توغل النخبة السِّيَاسية، لذا فإن هذا النموذج محكوم عليه بالموت سريرياً ولن يستطيع تقديم الكثير من أجل إنعاش نفسه -سيسلم "الزبيدي" و"بن بريك" وبقية الرافضين لقرارات السلطة الشرعية- ما لم يحصل هذا المشروع على دعم من جهة مؤثرة في التحالف ، واذا ما حصل ذلك الدعم فإن الأمر لا يؤدي إلى انفصال كامل في ظل تباين واضح بين المكونات الجنوبية ولكن سيؤدي بالتحالف في نهاية المطاف إلى الغرق في مستنقع من الدم واستنزاف كبير يحقق استراتيجية إيران في المنطقة. ومع ذلك وفي حال ركود هذا النموذج إلا أنه قد يُستخدم بشكل مستمر من أجل الابتزاز (إقليمياً) و(محلياً).

 

ثانياً: مشروع الاستقلال الحضرمي أو الحكم الذاتي في إطار الفيدرالية:

تمكنت الحكومة اليمنية مدعومة من التحالف العربي والولايات المتحدة الأمريكيَّة من تحرير المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرق البلاد) من تنظيم القاعدة في ابريل/نيسان2016م، وبدأت جهودها في فرض الأمن في المدينة الساحلية وانطلقت لمهاجمة مواقع التنظيم خارجها. لكن ركوداً سياسياً في المحافظة ظل مستمراً حتى نوفمبر/تشرين الثاني نفس العام، عندما أعلن عن تشكيل لجان تحضيرية لإطلاق المؤتمر الحضرمي الجامع، الذي يسعى إلى الخروج بميثاق شرف يحفظ للمحافظة حقوقها.

 جرت انتقادات واسعة لهذه اللجان بكونها تختزل من يقومون بالتحضير على شكل فئات تحاول اختزال المشهد السياسي والأمني فيها في أشخاصهم. ونتيجة لذلك تأخر عقد المؤتمر بسبب الحركات التصحيحية الحضرمية التي طالت لجانه التحضيرية حتى عَقد المؤتمر الجامع في ابريل/نيسان 2017م والذي حاول -قدر الإمكان- الحصول على رؤية حضرمية جامعة شمل حضرموت الساحل والوادي والصحراء.

على الخارطة تظهر "حضرموت" متكأه على المهرة وتراقب كل محافظات اليمن، عبر مساحتها الضخمة التي تشكل 36 بالمائة من مساحة البلاد مقسمة (30مديرية)، ويبلغ عدد سكانها قرابة المليون نسمة إضافة إلى مجتمعات اقتصادية مهاجرة في شرق أفريقيا، ودول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرق آسيا. ويعتبر ميناء المكلا من أهم موانئ الجمهورية ومطار المكلا هو ثالث أكبر مطارات البلاد([6]). إجماع المهجر والسكان المحليين يبدو صعباً في ظل تباينات تحكمها الجغرافيا والمصالح المشتركة والرؤية السِّيَاسية لذلك أعلن الحضارم -أثناء اللجنة التحضيرية- أن الهدف من المؤتمر كان حفظ حقوق المحافظة وأبنائها.

أشار البيان الختامي لمؤتمر حضرموت الجامع([7]) (22 ابريل/نيسان) إلى محورين اثنين:

-        رؤية عسكرية - سيادية: تتعلق بمطالبته بكون المحافظة إقليماً ضمن الدولة الاتحادية اليمنية التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني يتمتع بسلطة كاملة في القرارات والتعيينات والمشاركة في السلطة الاتحادية وحجم هذه المشاركة على أن تكون لها منطقة عسكرية واحدة بقيادة حضرمية، وبرلمان خاص يوقع الاتفاقيات.

-        رؤية اقتصادية: بتشكيل مجلس أعلى للاقتصاد، وبناء المصافي النفطية، والقدرة على توقيع الاتفاقيات وتحديث الموانئ والملاحة في حضرموت إلى جانب دعم المزارعين والصيادين.

من الواضح أن المؤتمر الجامع يخص التنمية والاقتصاد والسياسية في حضرموت وحدها في إطار الدولة الاتحادية ومخرجات الحوار الوطني ومحاولة انخراط في بنيّة السياسة العامة للدولة بناءً على عدد السكان والمساحة الجغرافية وإرفاد خزينة الدولة (ترفد حضرموت الخزينة العامة للدولة ب70 بالمائة)([8]). وبالرغم من أن البيان الختامي تحدث عن 3000 شخصية مسؤولة وجهات اجتماعية وزعيم قبيلة إلا أن بعضاً من ردود الفعل الرافضة والبيانات المستنكرة التي رفضت نتائج المؤتمر كانت حاضرة عَقبه([9]). لكن يبدو أن دوافع هذا المؤتمر تأتي بعد محاولات الحكومة والرئيس اليمني الاستمرار بالتعيينات السِّيَاسية في المحافظة دون الاهتمام بها أو باحتياجاتها التنموية بالرغم من أن المحافظة مستمرة بتوريد المال إلى خزينة الدولة([10])([11]).

ما يؤخذ على مؤتمر حضرموت التالي:

-        أن إعلانه جاء منفرداً بمحافظة حضرموت وحدها وليس كإقليم كامل حسب ما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني ويضم إلى جانبها المحافظات الثلاث (شبوة والمهرة وسقطرى)، ما يولد حساسية لدى بقية المحافظات ومخاوف من انفصال المحافظة كوحدة جغرافية مستقلة. عقب المؤتمر قال محافظ المحافظة احمد بابريك إنه وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه فإن اليمن سيتمزق إلى دويلات وستحتفظ حضرموت بدولتها([12]).

-        دعوته إلى جيش مستقل بقيادة حضرمية، ولا يبدو ذلك صحيحاً في ظل دولة اتحادية من أقاليم إذ تحتفظ السلطة المركزية بحق قيادة الجيش الوطني وتوزيعه بما يحفظ الدولة الواحدة، والحديث عن جيش في ظل وجود قوة "النخبة الحضرمية" التي لا تتلقى أوامرها إلا من قيادة المحافظة وليس من وزارة الدفاع أو الداخلية.

-        يشير البيان إلى أن بإمكان المحافظة الانفصال في حال عدم الالتزام بالدولة الاتحادية. الدولة الاتحادية لم يتم الاستفتاء عليها بعد بموجب الدستور المزمع إظهاره لليمنيين، ويبدو أن كاتب البيان تجاهل هذه النقطة كما أن إعلان الانفصال حتى بعد إعلان الدولة الاتحادية سيمر بمراحل عِدة وسيكون الرأي فيها لأغلبية ساحقة من سكان الإقليم وليس حضرموت وحدها كما في التجربة الإسبانية.

لذلك فإن من المتوقع أن تتخلى حضرموت عن مشروع الاستقلال أو الحكم الذاتي وتحدث تجديدا في رؤيتها من خلال عقد مؤتمر جديد يشمل بقية المحافظات في الإقليم كما حدث في إقليم سبأ، ويتخذوا منه قيادة موحدة تحفظ حقوق الإقليم، وتشمل قيادات المحافظات والشخصيات الاجتماعية. ولا يتوقع أن يكون نموذجاً للمحافظات الأخرى.

 

ثالثاً: مشروع الدولة الاتحادية

المشروع المنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني، الذي يمثل إجماع كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والجغرافي اليمني، والذي عُقد طوال 10 أشهر والذي تمثل بشكل واضح في دستور الدولة المزمع الاستفتاء عليه بداية مرحلة انتقالية جديدة عقب انتهاء الحرب في البلاد.

وأعلنت المخرجات عن شكل الدولة الاتحادية بستة أقاليم (اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال) وجرى توزيع الأقاليم وفق اعتبارات متعددة، فمن الجانب السياسي، قُسم الشمال إلى أربعة أقاليم والجنوب إلى إقليمين، بطريقة لا تتأثر فيها الحدود الشطرية التي كانت سائدة قبل عام 1990. وعلى مستوى الأقاليم عُموماً، فقد قام توزيع المحافظات إلى ستة أقاليم، على هويات جغرافية ومناطقية ومعايير مذهبية وطبيعية، فتم اختيار حضرموت ومحيطها من محافظات الشرق (شبوة، المهرة، سقطرى)، إقليماً مساحته تزيد عن مساحة الأقاليم الخمسة الأخرى، ثم إقليم عدن، والذي يشمل بقية المحافظات الجنوبية (لحج، الضالع، أبين، عدن)، وشمالاً إقليم سبأ، ويضم مأرب والجوف والبيضاء، وهي محافظات تجمعها عوامل قبلية وجغرافية، وكذلك إقليم آزال، حيث الثقل العسكري والسياسي الذي يضم صنعاء، وذمار، وعمران، وصعدة، وإقليم الجند، ويضم محافظتي إب وتعز، حيث الكثافة السكانية والثقل السياسي والاجتماعي (والمدني إلى حد ما)، ثم إقليم تهامة ويضم محافظات الحديدة، المحويت، حجة، ريمة، غرب وشمالي غرب البلاد([13]).

ويمثل هذا المشروع- بصفته رؤية مشتركة للتنظيمات والكيانات في اليمن- معالجة كافية للمظالم في القضايا الوطنية في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما أنه يخفف حِدة الصراع السياسي والفئوي على السلطة باعتبارها موزعة داخلياً في إطار الإقليم الواحد، مع كون اليمنيين في بلادهم في أي بقعة داخل التراب الوطني.

لا يرغب معظم اليمنيين في جنوب ووسط البلاد للاحتكام إلى الدولة المركزية مجدداً بعد المظالم والانفراد بالسلطة مع مشاريع التوريث للوظيفة العامة، لذلك فإن الدولة الاتحادية تمثل مخرجاً أساسياً لبقاء الدولة الموحدة بدلاً من دويلات وهويات متصارعة داخل البلاد لكن ذلك مرتبط بالتحديات السِّيَاسية والعسكرية بعد الحرب ومن أبرز تلك التحديات:

-        بدون تفكيك أو دمج الجيوش الخاصة والقوات الأمنية التي تشُكل أثناء الحرب ولا تخضع للسلطة الشرعية وتحمل مسميات مناطقية وشخصية ، ستقوم بابتلاع الدولة من الداخل.

-        الدولة التي تعاني من حرب أهلية هي "دولة ضعيفة" ويسهل تفتيتها في إطار شكل الدولة "الفدرالي" لذا فمن المهم أن يكون للدولة جيش قوي يخضع لعقيدة وطنية كاملة تواجه التحديات الداخلية والخارجية، وبدون وجود هذه العقيدة وهذا الجيش فإن المصير هو مشيخات وسلطنات وصراع نفوذ في الجنوب و الشمال.

-        تحتاج الدولة في وضعها الحالي إلى إعطاء المحافظين والمجالس المحلية صلاحيات واسعة يعتمد من اللامركزية الإدارية طريقاً لتصحيح وتحقيق التنمية في المحافظات- دون تدخل من السلطة المركزية التي يجب أن تركز على تعطيل وانهاء مشروع الانقلاب في البلاد. كما يشير إلى ذلك قانون السلطة المحلية، كخطوة رئيسية قبل الوصول إلى الدولة الاتحادية.

-        قد يُتَخذ من مكافحة الإرهاب عذراً لبقاء الميليشيات المسلحة خارج إطار الدولة، مع أن هذه الميليشيات لا تختلف عن التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة في جزيرة العرب" و "جماعة الحوثي" إذ أن مكوناتها ميليشاوية تخضع لسلطة فردية وأهواء الممولين والداعمين والقيادات فيها. لذلك فإن دمج التكوينات وتفكيكها في وحدات عسكرية مختلفة يجب أن يكون مشروعاً للحكومة الشرعية ضمن برنامج زمني يكتمل مع انتهاء الانقلاب، وتأجيل هذا المشروع قد يسبب مشاكل جَمة للحكومة ويقلق الأمن في البلاد.

 

،،

لا يرغب معظم اليمنيين في جنوب ووسط البلاد للاحتكام إلى الدولة المركزية مجدداً بعد المظالم والانفراد بالسلطة مع مشاريع التوريث للوظيفة العامة، لذلك فإن الدولة الاتحادية تمثل مخرجاً أساسياً لبقاء الدولة الموحدة بدلاً من دويلات وهويات متصارعة داخل البلاد لكن ذلك مرتبط بالتحديات السِّيَاسية والعسكرية

،،

التوصيات:

للحراك الجنوبي:

من المهم اعادة ترتيب أولويات المرحلة بحيث يكون هناك أولوية لاستعادة الدولة اليمنية وإسقاط الانقلاب وتحقيق الأمن القومي للخليج المجاور والداعم لليمنيين ضد التخلات الإيرانية، والعمل بشكل جدي لدعم الدولة في تقديم خدمات لأبناء المحافظات الجنوبية وتحقيق الدولة الاتحادية ثم يتم دراسة الواقع من جديد وفق رؤية واضحة في وقت استقرار لاعادة رسم خارطة الاستراتيجية المستقبلية للجنوب.

للتحالف العربي:

يجب أن تكون هناك رؤية موحدة للتحالف العربي فيما يتعلق بالقضية الجنوبية وعمل غرفة عمليات موحدة لتحقيق استراتيجية الأمن القومي لليمن والخليج وردم الفجوات التي تنفذ إيران من خلالها، كما من المهم العمل على تجنيب المحافظات الجنوبية ملامح الحرب الأهلية والتعامل مع كل المكونات بذات القدر وبذات المسافة وتشجيع ابناء المحافظات الجنوبية للانخراط في سلك الدولة والتأثير فيها بعيدا عن التشكيلات المسلحة خارجها.

للحكومة الشرعية :

تحتاج المحافظات الجنوبية لاستراتيجية تنموية اقتصادية عاجلة وتفعيل أدوات الدولة في تحقيق الأمن ومكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وفوضى السلاح ولا يتم ذلك إلا بتنسيق كامل مع التحالف العربي.

  

لقراءة المادة  PDF 

مشاريع متصارعة في جنوب اليمن.. الانفصال والحكم الذاتي والفيدرالية

 

 


 

 

الهوامش



([1]) دراسة "الجنوب الملتهب" مركز أبعاد للدراسات والبحوث، منشور تقرير منها في 2012

([2]) A report from Aden >>In its third year of war, Yemen risks fragmentation(27/4/2017) http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21721401-president-has-no-country-rule-its-third-year-war-yemen-risks

([3]) تصريح محافظ عدن السابق لمجلة اكنوميست -المصدر السابق

([4]) "الكيان الجنوبي".. كدلالة سيئة لمشروع استعادة الدولة اليمنية (تحليل) -يمن مونيتور- 15 سبتمبر 2016 http://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/12243

([5]) تعليق وكالة اسوشيتد برس على التظاهرة Pro-secession rallies in Yemen spotlight tensions with UAE - https://uk.news.yahoo.com/thousands-pro-secession-yemenis-rally-southern-city-114723196.html

([6]) نبذة تعريفية عن محافظة حضرموت-المركز الوطني للمعلومات، تاريخ الإطلاع (5/5/2017). http://www.yemen-nic.info/gover/hathramoot/brife/

([7]) البيان الختامي لمؤتمر حضرموت الجامع، المشهد اليمني، http://www.almashhad-alyemeni.com/news99123.html

([8])  CIA World Factbook https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ym.html

([9]) كانت عدد من القوى الجنوبية بمافيها شخصيات حضرمية مرموقة اتهمت المؤتمر بتجاهلها، كما أن موقف الحكومة اليمنية كان متذبذباً بالرغم من كون المتحدث باسمها رحب بمخرجات المؤتمر لكن مصادر إعلامية تحدثت ان "بن دغر" دعا إلى توسعة الإقليم ليشمل بقية المحافظات المعلن عنها. اقرأ المزيد من عدن الغد | تحليل : هل يتعثر مؤتمر حضرموت الجامع ام ينجح ؟ (21ابريل/نيسان) http://adengd.net/news/255400/#ixzz4gEYP319F

([10]) تصريح محافظ حضرموت لإذاعة المكلا، في 25 ابريل/نيسان يشكو فيها أن حكومة بن دغر لم توفي بوعودها بشأن تمويل مشاريع خدمية في المحافظة.

([11]) تشير وثيقة إلى أن محافظ حضرموت قام فعلاً برفض أي قرار يصدر من الرئيس هادي أو حكومة بن دغر (14ابريل/نيسان) http://www.yemenmonitor.com/Manage/Archive/ArtMID/905/ArticleID/17493

([12]) مجلة اكنوميست البريطانية،مصدر سابق،

([13]) ما بعد مؤتمر حضرموت: تساؤلات حول الوحدة ومصير الأقاليم، عادل الأحمدي، العربي الجديد (26ابريل/نيسان) https://goo.gl/drsVsJ

نشر :