استعادة الدولة هزيمة للارهاب في اليمن

 استعادة الدولة هزيمة للارهاب في اليمن

 

ملخص:

بدأ نشاط القاعدة في اليمن عام 1992 عندما هاجم متطرفون فندقين في عدن، كانا مرتبطين بالمصالح الأمريكية، واستمر التنظيم بتنفيذ بعض الهجمات بين وقت وآخر، لكنه كثف من عملياته الإرهابية عقب ثورة (فبراير/شباط 2011) التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبدالله صالح، ليتضح أن الإرهاب في اليمن مُسيس ويتم اللعب بهذه الورقة بحسب الحاجة لها، خاصة أن تقرير صادر عن لجنة الخبراء الدولة، اتهم قادة عسكريين موالين لصالح، بتسهيل تسليم أبين للمتطرفين، بينهم يحيى صالح، ومهدي مقولة.

شاهد العالم تطور الإرهاب في العالم الإسلامي والذي بدا بجماعات عنف عشوائية، رتبت ذاتها في إطار أيدولوجيات تحركها رغبات القتل كمنتج كما هو الحال عليه بالنسبة للميلشيات الطائفية والقاعدة، التي استغلت بيئة الصراعات لتؤسس كياناتها.

وهناك عوامل أساسية ساعدت على انتشار الإرهاب في اليمن منها السياسية التي تتمثل بغياب الدولة الذي هو السبب في انعدام الاستقرار، فاستفاد الإرهاب من  انعدام المشاركة السياسية واحتكار السلطة وتشجيع التنوع العرقي والمناطقي والطائفي وغيرها من المظاهر؛ لضمان البقاء والتدخلات الخارجية مع ضعف السياسة الخارجية التي أدت إلى غياب مبدأ المصلحة والدبلوماسية النشطة التي كان بالإمكان التنسيق والتعاون لمكافحة الإرهاب.

وتشكل الأسباب الاقتصادية كالفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية والبطالة، وتشجيع الاحتكار والفساد وتزاوج السلطة وإهدار إنتاج المؤسسات الوطنية سبب لوجود بيئة ملائمة لانتشار الإرهاب.

أما العوامل الاقتصادية فمنها ارتفاع معدل النمو السكاني مع ارتفاع معدلات الأمية، ووجود عادات وتقاليد سيئة تعاقب الضحايا وتقاليد تحتقر وتزدري قطاعات عريضة من فئات مهمشة، وكذلك التفكك الأسري الناجم عن الفقر.

ويعد غياب الخطاب الديني الوسطي المعتدل واللعب بورقة الدين في التصفيات السياسية، من أبرز العوامل الفكرية والدينية التي تساعد في انتشار الإرهاب وتوسع رقعته، خاصة أن هذا الملف استخدمه النظام السابق كذريعة لمعاقبة المتدينين والإسلاميين المعارضين.

وبالنسبة للعوامل الأمنية فالتعامل الأمني المنفرد في قضايا الإرهاب دون معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عامل دعم للإرهاب في اليمن، وزاد ذلك من خلال استغلال الورقة الأمنية لتحقيق مصالح سياسية، بالإضافة إلى وجود اختراقات أمنية من جهات أمنية وإقليمية ودولية استغلت جماعات العنف وتوجيههم حسب مصالحها.

وتتجلى أبرز الحلول في معالجة ملف الإرهاب، باستعادة الدولة بالتوازي مع عمليات عسكرية تضرب النواة الصلبة للإرهاب، ثم إصلاح الاختلالات في  كل المنظومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية للدولة اليمنية، ومحاربة التطرف بخطاب إعلامي مدروس، وبرنامج أمني اقتصادي تنموي سياسي يضمن حالة من الاستقرار.

 

مقدمة

ظل وسيظل الإرهاب والعنف مرض مزمن في تاريخ البشرية لا يعرف دينا ولا لغة ولا عرقا ولا منطقة ينتسب لها، ولكن كلما تم تشخيص أسبابه بدقة كلما نجح العلاج، وكلما بحثنا عن مضاعفاته بعيدا عن أسبابه، كلما تسرب وانتشر وتوسعت دائرته وتلونت واجهته وبحث عن محيط خصب، لتتحول جيناته من عنف إلى عنف أكثر قسوة وأشد فتكا.

لقد شاهد العالم تطور الإرهاب في العالم الإسلامي والذي بدا بجماعات عنف عشوائية، رتبت ذاتها في إطار أيدولوجيات تحركها رغبات القتل كمنتج كما هو الحال عليه بالنسبة للميلشيات الطائفية والقاعدة، التي استغلت بيئة الصراعات لتؤسس كيانات مثلما فعل داعش ودول تحكمها الميلشيات، ولم يكن لهذه الجماعات وتلك الكيانات أن يتسع فكرها ومساحة وجودها، لولا أنها وجدت بيئة محيطة بها صالحة لانتشار فيروساتها مدعومة ومسنودة ماليا وإعلاميا.

وفي اليمن فإن الانقلاب وانهيار الدولة وسيطرة الميلشيات، شكلت عامل رئيسي في تشكيل بيئة خصبة للإرهاب حاليا ومستقبلا، وبالتالي فقد أصبحت اليمن مهدد للأمن الإقليمي والدولي مالم يتم محاربة الإرهاب بالتوازي مع استعادة الدولة لشرعيتها ونفوذها.

 

ما هي العوامل الأساسية التي ساعدت على انتشار الإرهاب؟

على سبيل المثال ومن خلال قراءة متأنية لأسباب وعوامل انتشار الإرهاب في اليمن، هناك عوامل متعددة منها سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية وأمنية، ولذا فحين البحث عن العلاج يجب أن تنطلق حملات مكافحة الإرهاب بوتيرة محددة، لتصحيح كل المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لتنجح الحملة في إضعاف وإنهاء فكر القتل والدماء.

 

الأسباب والعوامل السياسية :

يُشكل غياب الدولة عاملا رئيسيا في غياب الاستقرار، ولا يمكن للدولة أن تحضر بغياب الديمقراطية الحقيقية، وبالتالي فإن الإرهاب استفاد من انعدام المشاركة السياسية واحتكار السلطة وتزوير الانتخابات وقمع الإرادة السياسية وإضعاف الحياة الحزبية وضرب بنيتها وتفريخها، في مقابل ضعف استيعاب الأحزاب للجميع وبقائها مغلقة في مربع صراعات الماضي وضعف التوعية السياسية وغياب مناهج الحكم الرشيد عن المدارس والجامعات، وصولا إلى الاستبداد والشمولية وإغلاق منافذ الحوار السياسي وصناعة قادة سياسيين فاسدين، لضمان الولاءات وغياب الرؤى الاستراتيجية وضعف الحامل السياسي لأي رؤية، وانعدام المشروع من الأساس وثقافة الإقصاء والتخوين من الحاكم للمعارض، وقمع التنوع السياسي وتشجيع التنوع العرقي والمناطقي والطائفي، لضمان البقاء والتدخلات الخارجية مع ضعف السياسة الخارجية التي أدت إلى غياب مبدأ المصلحة والدبلوماسية النشطة التي كان بالإمكان التنسيق والتعاون لمكافحة الإرهاب .

كل ذلك نجم عنه سيطرة نظام استبدادي غير ديمقراطي، في مقابل وجود شباب هائم يبحث عن الحرية في ثنايا السلاح تحت ذريعة الجهاد.

 

الأسباب والعوامل الاقتصادية

كما أن هناك عوامل اقتصادية ساعدت في ظهور بيئي ملائمة لانتشار الإرهاب ، واليمن من المعروف أن الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانعدام فرص العمل، كانت سببا في استقطاب الشباب للجماعات المقاتلة.

كما أن هناك عوامل أخرى مثل تشجيع الاحتكار والفساد المالي والإداري وتزاوج السلطة والثروة واحتكار الثروات القومية وإهدار إنتاج المؤسسات الوطنية، وتشجيع تجارة الممنوعات وغض الطرف عن توسع زراعة وتجارة القات، وعدم دعم الإنتاج المحلي وتشجيع الهجرة للخارج وانعدام المؤسسات التدريبية والمهنية لتأهيل الشباب، وانعدام تشجيع الحرف أو حتى دعم استمرارها، وخلق كتل اقتصادية في البلاد من ذات علاقة بالسلطة وتطويع القبيلة والمؤسسات المدنية والعسكرية لها، ونهب ثروات البلاد وانعدام الإصلاحات الاقتصادية والاعتماد فقط على القروض والمنح الدولية بالذات التي تدعم مكافحة الإرهاب .

كل ذلك أدى إلى نشوء بلد فقير وجيل من الشباب يئن جوعا وفقرا، يبحث عن الوظيفة فيجدها عند عصابات السلاح وجماعات الإرهاب.

  

أما العوامل الاجتماعية التي دعمت بيئة الإرهاب والتطرف في اليمن فهي :

ارتفاع معدل النمو السكاني مع ارتفاع معدلات الأمية ووجود عادات وتقاليد سيئة تعاقب الضحايا وتقاليد تحتقر وتزدري قطاعات عريضة من فئات مهمشة، مع ارتفاع تكاليف الزواج وغلاء المهور والهجرة المبكرة للشباب، بحثا عن فرص عمل وتدهور التعليم الحكومي وتخلي الدولة عن واجبات توفيرها للأوليات الضرورية الطعام والدواء والمسكن.

كما ساهم في ذلك التفكك الأسري الناجم عن الفقر والانحراف الأخلاقي الذي يتحول الى تطرف مفاجئ وقضايا الثارات وزيادة معدلات العنف الـسري، وانعكاسات حالات الاغتصابات والاختطافات والزواج المبكر والتسرب من المدارس وغياب وسائل الترفيه والرياضة والحدائق العامة والمنتزهات وتناول القات والممنوعات والسهر، وغياب الاستقرار النفسي والاجتماعي في محيط أسري ضائع ومتمزق، وهو ما أدى إلى نشوء جيل معقد في أسرة مفككة ومجتمع متناحر، لن يجد أفضل من معسكرات الإرهاب تشعره أن للحياة قيمة إذا ما بذلها في قتال المجتمع الذي يصفونه بالمنحرف.

 

العوامل الفكرية والدينية

يمثل غياب الخطاب الديني الوسطي المعتدل أهم أسباب التعبئة الفكرية المنحرفة خاصة إذا خضعت لسباق طائفي مذهبي متطرف، كما أن من الأسباب انعدام اهتمام الدولة بالتوعية الدينية في المدارس والجامعات وتشجيع السلطة أحيانا للصراعات الأيديولوجية، ودعمها للزعامات والجماعات الدينية التكفيرية والجهادية لتقوية قوى ضد قوى بالذات قوى ايدلوجية متطرفة ضد قوى سياسية.

كما أن اللعب بورقة الدين في التصفيات السياسية من أهم العوامل الى جانب  ضياع رسالة المسجد التوعوية والمجتمعية، وحشره في الخلافات السياسية وغياب التوعية والتعليم الديني الوسطي والعميق واستبداله بتدين سطحي وعلم نظري يعتمد على النقل وليس العقل، فظهرت فتاوى تكفير وتفسيق وردة ادت إلى ظهور جيل متدين تدينا سطحيا جهاديا.

لقد كان أيضا استخدام الإرهاب ذريعة للنظام لمعاقبة المتدينين والإسلاميين المعارضين، وتخلي الدولة والمجتمع والأسرة والمدرسة عن واجباتها في غرس القيم السوية والتوعية الدينة الوسطية في أوساط الصغار والمراهقين، وضعف المناهج الدراسية المدرسية والجامعية بالذات في مجالات الفكر المعاصر والتدين الوسطي والصراعات الطائفية والمذهبية، واستغلال الدين ورقة للربح السياسي، من أهم عوامل انتشار الإرهاب.

أيضا تمثل الحملات الإعلامية المحلية والدولية التي لا تفرق بين الإسلام كدين وسطي يؤمن بحق التعايش يدعم حقوق وحريات الإنسان، وبين من يستخدم الإسلام حجة لقتل الأبرياء والأحداث الخارجية وحالات الحرب والقتل في بلدان إسلامية، كوسيلة مغرية دفعت بكثيرين إلى البحث عن طرق للمقاومة أو لإنقاذ اخوانهم أدت إلى قناعات دائمة بالعنف.

وفي النهاية أدى كل ذلك الى ظهور جيل موحد في ممارسة التطرف والعنف ومتناقض في الالتزام والتدين، فغالبية المنضمين لتيارات العنف إما كانوا منحرفين أو هم ممن تتلمذوا على أيادي مشايخ دين متطرفين.

 

العوامل الأمنية

لقد شكل التعامل الأمني المنفرد في قضايا الإرهاب دون معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عامل دعم للإرهاب في اليمن، وزاد ذلك من خلال استغلال الورقة الأمنية لتحقيق مصالح سياسية والمطاردات والاعتقالات المستمرة بمجرد الاشتباه وملاحقة المتهمين طوال الحياة، دون اخضاعهم لبرنامج مناصحة وتنمية عملي، وعدم معالجة قضايا العسكريين الذين يشكلون أنوية جماعات العنف وتطبيق سياسات أمنية لا تراعي الخصوصية اليمنية .

كما أن  وجود اختراقات أمنية من جهات إقليمية ودولية تستغل جماعات العنف وتوجههم حسب مصالحها، كما حصل مع الحوثيين، وكل ذلك أدى الى ظهور جيل من المتطرفين والمقاتلين والانتحاريين صغار السن حتى من يعود إلى جادة الصواب لا يجد قبولا لدى أجهزة الأمن والمجتمع.

 

الحلول

ولوضع الحلول اللازمة علينا التحرك أولا لاستعادة الدولة بالتوازي مع عمليات عسكرية تضرب النواة الصلبة للإرهاب، ثم البدء بخطة إصلاح الخلل في كل المنظومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية للدولة اليمنية، ومع ذلك التحرك في محاربة الإرهاب بخطاب إعلامي مدروس وبرنامج أمني جاد وخطة اقتصادية تنموية ووضع سياسي مستقر ورقابة مالية صارمة وتوعية اجتماعية وفكرية مسئولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محاضرة قدمت من قبل رئيس مركز ابعاد عبد السلام محمد في مركز أبحاث كوليجيوم سيفيتاس بالعاصمة البولندية وارسو 17 مارس 2015

نشر :